حيانًا، أستيقظ من نومي على سؤال لا يهدأ في رأسي:

هل نحن فعلاً نفكر؟ أم أن أحدهم رسم لنا خرائط التفكير، فصرنا نسير فيها بحذرٍ كأننا أحرار، بينما نحن في أضيق أقفاصنا؟

أُفكر كثيرًا في معنى "التمرد العقلي" الذي نتباهى به، ذاك الذي نظنه تحرّرًا، بينما قد يكون في الحقيقة آخر حدود السجن الكبير، تمردٌ مصمم مسبقًا، يترك لنا مساحة وهمية للحركة داخل القفص نفسه، فنظن أننا كسرنا القيود، فيما نحن نتحرك فقط في مساحة أوسع من السجن ذاته.

أليس غريبًا أن الإنسان، الذي يُفترض أنه أعقل الكائنات، هو أكثر من يتصرف ضد مصلحته؟

برمجته الحياة، أو المجتمع، أو ربما النظام العالمي، ليبحث عن المتعة المؤقتة ولو على حساب روحه. يعيش عمره وهو يظن أنه يختار، بينما اختياراته ليست سوى استجابات لمؤثراتٍ نُقشت في داخله دون وعي من أو محاولة وعي.

يُدمّر نفسه بأفكارٍ ورثها من غيره، بعاداتٍ بالية ظنّها جزءًا من هويته، وبشخصيةٍ صنعتها الظروف أكثر مما صنعها هو.

يمضي في الطريق الذي رُسم له منذ طفولته، ويمضي فيه بثقة من يظن أنه يقود نفسه، ولا يكتشف إلا متأخرًا، في آخر سنواته ربما، أنه كان مجرّد راكبٍ في مركبةٍ لم يختر وجهتها.

ثم، حين يدرك الحقيقة، يبدأ في لوم الزمن والحظ والناس، وينسى أن السجن لم يكن خارجَه يومًا، بل كان في داخله: في فكره، في برمجته، في خوفه من السؤال.

نعم، هذه الدنيا سجن كبير.

أسواره ليست من حديد، بل من أوهام.

نعيش خلف جدرانٍ شفافة، لا نراها لأننا اعتدنا وجودها.

وإذا كان الوعي هو السلاح الذي يكسر هذه الجدران، فإنه في الوقت نفسه ظلّ قاتل، لأنه يعرّينا أمام الحقيقة.

الوعي مؤلم لأنه يُجبرنا على النظر في المرآة، لا كما نريد أن نبدو، بل كما نحن فعلاً.

ولهذا، لا يكفي الوعي وحده.

فكم من إنسانٍ عرف ولم يحتمل ما عرفه!

نحتاج إلى الوعي، نعم،

لكننا نحتاج أيضًا إلى حبّ المصدر الأعظم وسم ما شئت السبب الأول، "الله"

ذاك النور الذي لا يُطفأ، الحبّ الذي يُعيد للوعي دفئه، ويمنحه المعنى.

الوعي بلا حبّ يتحول إلى لعنة،

والحبّ بلا وعي يصبح ضعفًا.

عندما يلتقيان معًا، فقط عندها فقط نستفيق.

نرى السجن فنخرج منه، لا لأن الأبواب فُتحت، بل لأننا أدركنا أنها لم تكن مغلقة أصلًا.

ونحيا — لأول مرة — حياة تشبهنا، لا الحياة التي فُرضت علينا بدون أن نشعر.