مما لا شك فيه بأن الكتابة الأدبية تختلف عن الكتابة الفكرية ليس فقط من ناحية طبيعة الموضوع وإنما أيضا من ناحية صياغة الكلمات والأسلوب، وبالطبع ليس كل الروايات والقصص يمكن لها أن تلقى نجاحا باهرا إلا إذا استطاعت أن تكسب قلوب القراء عبر جملة من المعاني والأحاسيس التي يشعر فيها القارئ بأن الموضوع موجه له هو بوجه التحديد.

لكن بصراحة قد تبادر في ذهني سؤالا مهما "هل وضوح الأفكار ينتج عنه غياب للإحساس؟"، لكون الإحساس يستدعي توظيف التشبيهات والاستعارات للكلمات من أجل أن يتأثر القارئ بها، وقد نجد أمثلة كثيرة في هذا الصدد، مثلا عُرف المتنبي بتوظيفه اتشبيهات في مواضع عدة في أشعاره، من بينها: "وأسمعت كلماتي من به صمم"، فهو هنا يمدح نفسه لإعجابه بكلماته، فبدلا من أن يقول كلماتي تعجب كل من يقرأ لها، اختصرها في جملة تعبيرية تعكس حقا قوة ايحاء كلماته، وبالتأكيد أن الكلمات التي تحمل الإحساس والعاطفة يكون معناها بليغا، مثلا أيضا قول أحمد طلقُ اليدين كناية عن الكرم.

برأيي الكاتب الناجح هو من يستطيع أن تكون كلماته قريبة لإحساس القارئ ومفهومة ولو زينها بتعبيرات مجازية إلا أنها تمكن القارئ من فهم مغزاها، ويقول في ذلك الكاتب فيليس جيمس "متى ما تعاظمت ثروتك اللغوية صارت كتابتك مؤثرة أكثر"، وأسوأ ما يمكن أن يقدم على فعله الكاتب هو اقتصاره على مصدر واحد للمعرفة، لا يطور من تعبيره أو كلماته، لو قرأتها قبل سنة ستشعر بأن الزمن قد توقف عنده دون أن يحاول أن يضفي لقاموسه عبارات أخرى تعبيرية يستطيع بها أن يوظفها في محتوياته. ولمن يعتقد بأن الموهبة كافية، فالكاتب لن يصير عظيما إلا إذا عمل بجهد وكد من أجل لوصول لمبتغاه.

وحضور الإحساس لا يكمن في الاستعانة بإلهام مجهول أو تكلف في إحضاره، وإنما كما قال أورهان باموق "سر الكتابة لا يكمن في الهام مجهول المصدر، بل في المثابرة كمن يحفر بئرا بإبرة".

مارأيك أنت، هل توافقني الرأي "في وضوح الأفكار غياب للاحساس" ، ولماذا؟