أبدًا لم يعد مهتمًا كما كان ولا يشتاق كما كان، لم يعد هو كما كان!

لم يعد... لم يعد يومًا ليومه ولا قِبَلًا لقِبَله ولا حتى أحدًا لأحده.

هو حقًا لم يعد منذ أن رأيناه آخر مرة يحمل حقيبته الثقيلة وكذلك ذكرياته المارة، لم يودعنا ولم يلقي علينا السلام ولا حتى إلتفت إلينا... كأنه أراد أن ينسانا مع كل شيء.. مع كل ما مر به وما مرره علينا، حتى التفاصيل الصغيرة التي طالما أحبها وكثيرًا ما ضحكنا على سذاجتها وسذاجته لم نكن نعلم أنها بالنسبة له كإرث قد إكتسبه جينيًا... كمتعة يبحث عنها ليحرر ما بقي من مرح الطفل بداخله.

الآن نحن سنشتاق لهذه التفاصيل الطفولية المجنونة التي أصبحت بمثابة التحلية بعد الغداء.. سنشتاق إليها كما إشتياقنا له بعد أن فارقنا.. سنشتاق له كما إشتياقه لها بعد أن فارقته!

هذا الإشتياق الذي لا تعلم بماهيته إلا بعد أن تعيشه.. هذه الوحشة الغريبة المسيطرة على جسدك عند الإستيقاظ من النوم دون أن تعلم ماهيتك أو وجهتك التالية للفراش!

سنشتاق إليه بعدد المزاحات التي ألقيناها عليه وعدد المزاحات التي لم نلقها.. لأننا سأمنا، بعدد أكواب القهوة التي إرتشفها وعدد أكواب القهوة التي لم يرتشفها.. لأنه سأم!

بعدد المرات التي حدثنا فيها عنها وعدد اللقائات من غير تخطيط.. المنازعات بطيب خاطر، كم فيلمًا شاهدناه معًا، المغازلات التي قمنا بها والمقاهي التي قمنا منها.

سنشتاق إليه بعدد الكلمات التي كُتبت والكلمات التي لم تكتب.

لم يعد هو يشتاق ولكنه بداء الإشتياق إبتلانا، ولم يخبرنا كيف نُصرف عنّا هذه اللعنة، ولا كيف الوصول إليه ولا لمذا هجرنا!