"كان أحسن الأزمان، وكان أسوء الأزمان، كان عصر الحكمة وكان عصر الحماقة، كان عهد الإيمان وكان عهد الجحود، كان زمن النّور وزمن الظلمة…" هكذا افتتح الروائي تشارلز ديكنز روايته قصة مدينتين. 

أليست مثيرةٌ للفُضول هذه البداية؟

لاشكّ أنّ روائي عملاق مثله يعرف جيدًا كيف تُكتبُ الجملة الأولى، ودورها الفعّال في لفت انتباه القارئ، ودفعه بذكاء لالتهام باقي الرواية، وهكذا يجب أن يكون الكاتب.

يُدرك أهمية الجملة الأولى في بناء جسرٍ مشاعريّ بينه وبين القارئ، خاصّة في زمن التشتت وكثرة النّصوص والمقالات التي تُنتشر في الويب كانتشار النّار في الهشيم.

وفي دراسةٍ أجراها خبير تجربة المستخدم جاكوب نيلسون وأشار فيها إلى أنّ أغلب من شملتهم هذه الدراسة لا يعتمدون أسلوب القراءة كلمة بكلمة.

 والقلة فقط من تقوم بذلك، إذ أنّ 79% من الأشخاص الذين شملتهم إحدى هذه الدراسات، يقومون بعملية مسح لأي صفحة جديدة يصلون إليها، و 16% فقط يقومون بالقراءة بالمعنى الحرفي.

وهذا يعني أنّ الكاتب اليوم أمام تحدّي كبير في كيفية لفت انتباه القارئ وجعله يستمر في القراءة ويعطي جملته الأولى الوقت والتركيز الكافي ليصوغها بطريقة مُلفتة ومثيرة للاهتمام.

ليس فقط في الكُتب وإنما حتى في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، والثريدات، والنّشرات البريدية، والمقالات وحتى مساهمات حسوب…

مهمةُ الجملة الأولى، ليست تِكرارا للعنوان ولا اختصار المعنى العام، وإنّما مهمتها هي لفت انتباه القارئ، وإشعالُ فضوله، ورغبته في القراءة

وجعل الجملة الأولى تَتمحور حول احتياج القارئ، وما يريده وماذا ستقدّم له السطور المقبلة، فقط إشارةٌ بسيطة دون إفصاح.

وتكون جملة بسيطة وواضحة وتُحاكي توقعات القارئ، وتثير لديه تساؤلات تكون إجابتها بين طيّات الكتاب.

ما رأيكم في افتتاحية تشارلز ديكنز التي تجمع التناقضات؟ وهل ترون أنّ للجملة الأولى أهمية في نجاح العمل الكتابي مهما كان نوعه؟