أعتقد أنّ كل كاتب في بداياته قد تعترضه بعض الأسئلة القاسية نوعًا ما، وهي نابعةٌ من جلّاده الداخلي الذي ربّما يكون أستاذ اللغة العربية في مدرسته، حين قال له:

أنت لا تفرّق بين ال القمرية، وال الشمسية وتظنّ نفسك عربيًا والعربية لغتك الأم، فكيفَ ستصبحُ كاتبًا؟

فسبّب هذا الكلام جرحًا غائرًا في قريحته الأدبية، ومازال ينزفُ منذُ ذلكَ الحين، وتركَ نُدبة في عمقِ حلمه في الكتابة.

لذلك مازال إلى اليوم يلتفتُ إلى ذلك الصوت الذي أصبح كالسّوط يجلدُ كتاباته، فتارةً يقول لنفسه: إذا كتبتُ من يقرأ؟ ومن يأبه لحروفي التي غزَتها الأخطاء اللغوية والإملائية، وماذا عن لعنة الالف واللام التي تطعنُ في عُروبتي، ويمتدّ هذا السّيل من التساؤلات حتى يُغرقَ صاحبنا وهو لم يخرج إلى الجمهور بعد، ولو بجملةٍ واحدة، وقد يضيع بين مخاوفه وأذواق جمهوره التي يحاول تلبيتها من خلال كتاباته.

هل يمكن أن تكبر هذه الهواجس لتجعل صاحبها مصابًا باللودوكسوفوبيا، التي تعني الخوف من آراء النّاس، فيعيش المصابُ بها معاناةً وقلقًا دائمين من سماع آراء الآخرين، سواء فيه أو فيما يقدّمه بشكلٍ غير عقلاني ومبالغ فيه.

وعندما يتأصّل الخوف فيه، يتوقف عن جميع نشاطاته وقد ينعزلُ كليًا.

لماذا قد يكون الكاتب عرضةً للإصابة بهذا المرض؟

أكثرُ النّاس عرضةً للودوكسوفوبيا هم أولئك الذين تعرّضوا لمواقف قاسية خلال الطفولة، حين عبّروا عن آراءهم بكل صدقٍ وعفويّة، (وقد يكون صديقنا الكاتب واحدًا منهم).

وفي حال تكرّر مواقف مشابهة تستجيب اللوزة الدماغية، ويثير الذهن نفس الاستجابة في كلّ مرة، ما يجعل الفرد يقرّر حماية نفسه والتوقّف عن تلقّي آراء الآخرين نهائيًا، وقد تعزّز وسائل التواصل الاجتماعي القابلية للاصابة بهذه المتلازمة عند الجميع، ناهيك عن الكاتب الذي يتطرّق لأفكار مختلفة وقد يتلقّى ردودًا قاسية حول آراءه في مختلف القضايا، وحتى الأخطاء التي قد يقعُ فيها، مما يؤدّي به إلى الخوف من رأي جمهوره تدريجيًا.

فهل من الممكن أن يتأزّم وضع الكاتب بسبب موقفٍ من طفولته، ويتفاقم بسبب انعدام ثقته فيما يكتب وخوفه من آراء الآخرين، إلى الاصابة بهذه المتلازمة، خاصّة أنّ النّفس الانسانية ضعيفة لدرجة أنها قد تبنيها كلمة، كما قد تهدمها كلمةٌ أيضًا، وهذا ما جعل الكلمة الطيبة في ديننا صدقة.

وأنتم مارأيك في هذه الفوبيا، وهل من الممكن أن تصبح قدَر الكاتب يومًا ما ؟