فتاة الكستناء (آن جوليفر) الفصل الأول (ما بعد التعديل)
تناولت من درج مكتبها دفترا وقلم لتجلس على الكرسي بجانبها وتكتب حكايتها ..حكاية فتاة الكستناء ..آن جوليفر.
تساقطت حبات المطر الأخيرة معلنة عن انتهاء فصل الشتاء , مودعة الأرض مقبلة ترابها في محبة , عائدة الى السماء من جديد عبر ظهور الشمس الساطعة من خلف الغيوم , حيث ظهر قوس قزح ليثبت أن النهايات دائما جميلة .
في بداية شهر مارس وعلى جانب أحد الشوارع الباريسية كانت تمشي فتاة صغيرة بجدائلها كستنائية اللون , تحمل معها كيسا يحوي على بضع حبات من البندورة بينما ترتدي ذلك الثوب الباهت القديم و تلك الأثواب الباهضة المزركشة تحوم من حولها , كانت تنظر الى قوس قزح مبتهجة شاردة عن ما حولها من عربات , الى أن أردكت نفسها وقد داركها وقت العودة الى المنزل , لتجري بسرعة محاولة قطع الشارع غير آبهة بالطريق المليء بالعربات، فجأة يد ما دفعتها بقوة الى الخلف أدت إلى اصطدامها بالأرض، تأوهت آن بألم، رفعت رأسها لتجده طويلا شامخا أمامها، الشمس وقوس القزح تكابلا عليها كي لا ترى ملامحه، همس بغضب:
-انتبهي على الطريق..
رفعت هي حاجبيها باستنكار، وفكرت: من هذا؟
تنهد هو والتفت ليرى الرجلين يلاحقنه، رمى بعضا من المال قرب آن، حاول تغطية ملامحه وبدأ يحاول الهروب، احتشد الناس حول آن، لمحت شعره الأسود الذي ظهر من عنقه، بلعت آن ريقها، لتستيقظ من أحلام يقظتها، نظرت إلى المال دون أن تفهم حركة الغريب، مر الرجلان من أمامها وهما يقولان:
-سيهرب مجددا، هيا جدوه
شعرت هي بالفضول، من هذا؟ شهقت لوحدها: ماذا مجرم؟ هدأت وهي تجمع أفكارها: لا يمكن ,المجرمين لن ينقذونني من اصطدام عربة وأنا كالشاردة، تفرق الجمع، نهضت ونفضت ملابسها، وضعت يدها على خصرها، ومسألة المال غير مفهومة، هي شاردة أجل، لكن ليست متشردة، التفتت وهي تلمح الطماطم مهروسة، تنهدت وهي قد فهمت حركته، كي تشتري الطماطم، الأمر مراعي، ولكن شعرت كأنه استصغرها..
تنهدت وهي تشعر بالفضول أكثر..
في حين هو وقف في أعلى السطح وظل يراقب تحركاتها، ابتسم وهو يهمس: هذه هي اذا ..مثيرة للاهتمام
بدأت الوان السماء بالاندماج مع اللون الأحمر شيئا فشيئا ليتشكل لون الغروب الساحر ومع اختفاء الشمس تعود آن متأخرة الى بيتها الذي يستغرق وقتا طويلا للوصول اليه , بعدما قامت بشراء الطماطم مجددا بدلا من تلك المهروسة ,وبينما تفتح الباب تهمس
-لقد تأخرت لا بد أن أمي ستعاقبني
لتجد أمها جالسة على ذلك الكرسي المهترىء شابكة يداها بذلك الوجه المتجهم لتقول بصوت خافت بينما تضع كيس البندورة على الطاولة
-لقد عدت
بينما تقف أمها أخيرا بعدما كانت جالسة لفترة طويلة لبضع ساعات وهي تنتظر آن , والتي كانت بالنسبة لها وكأنها دهر من الانتظار لتقول معاتبة في حزم
-لم تأخرتي ؟
سكتت آن برهة محاولة ايجاد شيء لتقوله كانت مترددة والتوتر يغوض في أعماقها لتقول أخيرا بهدوء
-لقد ..لقد وقعت البندورة على الطريق وتبعثرت لهذا استغرقت وقتا لجمعها من هنا وهناك وتعرفين كيف أن الطريق بعيدة و..على كل آسفة لجعلك تنتظرين
وبابتسامة خفيفة رسمتها على وجهها متأملة أن تنجح تلك الكذبة الناقصة والتي تخفي نصف الحقيقة وما الكذبة الا كذبة بالنهاية وحبل الكذب قصير ورغم أن آن كانت تعرف ذلك لكن لم يكن لها خيار آخر فهي تعرف أمها جيدا , ما أن تعرف أنها كانت شاردة في الطريق وسببت فساد البندورة والأهم من هذا كله أن شخصا لا تعرفه أعطاها المال , حتى تنفجر غاضبة تصرخ عليها .
ساد الصمت قليلا واعتلى الجلسة ليصبح الوضع متوترا قليلا وها هي أمها ما تزال تنظر لها بتلك النظرات الحادة لتكسر آن كل هذا قائلة وهي تمر بجوار أمها لتذهب
-حسنا اذا سأذهب لأغتسل
وبشكل غير متوقع تسقط على الأرض بشدة أثر صفعة من أمها وهي تصرخ بها
-كاذبة وقحة
فتحاول آن الدفاع عن نفسها قائلة بينما تضع يدها على خدها في ألم
-أ..أمي أنا لست ك..
لكن صوتها الضعيف سرعان ما يقطع من قبل صوت أشد حدة وأكثر غضبا لتبتلع ريقها
-اصمتي ..اياك أن تقولي أي كلمة يا عديمة التربية .. أتظنين أنني بلهاء لأصدق ما قلته, أعرف الكاذب حين يكذب والصادق حين يصدق ,اذا كنت صادقة فما بال الطماطم غير المتسخة حتى من آثار الطريق وانظري لملابسك المبللة بالماء والطين
تنظر آن الى وجه أمها وعيونها ملؤها الخوف فها هي كذبتها الصغيرة تنقشع وحبل الكذب يبان
-أعلم ما سيؤدبك
لحظات قليلة تهمس الأم فيها قائلة وهي تستدير الى الحائط ممسكة بذلك السوط الأسود المخيف الذي دائما ما كان كابوسا في طفولة آن
-آن قولي الحقيقة والا تعرفين ما سيحصل جيدا
ترتجف الطفلة بداخلها وهي تراه كأنه أفعى يحتك في الأرض فاذا به يطلق صوتا طاغيا عن كل الأصوات ..ذلك الصوت الطاغي والشرس الذي كان يداهم طفولتها
..تتسلل قطرات الدمع دخيلة الى عينيها بينما تمسك طرف السوط في ضعف, لتمسك أخيرا قدم أمها قائلة بسرعة في رجاء وكأن الوقت لن يصبر عليها حتى تنهي ما في جعبتها
-أرجوكي لا ..لا تفعلي , س..سأخبرك بالحقيقة لكن لا لا تفعلي ذلك
تنظر لها أمها في تساؤل وتمعن وكأن نظراتها تستعجلها القول , فتحني رأسها قائلة
-كنت شاردة عن الطريق وأحاول قطعه فاذا بشاب دفعني الى الخلف وكيس البندورة أفلت من يدي ودعسته العربات
-ومن أين جئت بثمن هذه البندورة ها؟أم أنك..سرقت
ترفع رأسها مدافعة عن أخلاقها المتهمة قائلة
-لا لم ..لم أسرق , الشاب الذي دفعني قام برمي المال بقربي وذهب مسرعا كان هناك رجال يلحقون به لذا هذا ما حصل والآن اتركيه أرجوك..
-يا لك من فتاة مهملة لا مبالية .. أولا لا تنتبهين للطريق وثانيا تفسدين البندورة التي أتعب في جني المال لشرائها لا وفوق ذلك تأخذ المال من شخص حتى لا تعرفه وتكذب علي ..أراهن أنه ظنك متسولة وان لم يكن مجرما حتى
-أ .أمي لكن لا يمكن لمجرم أن يفعل أمرا لطيفا كهذا
ضاقت أمها منها لتقول والغضب خرج منها أكثر من قبل حتى , وكأن الكاس بداخلها قد فاض , لتقوم بركل آن بقدمها وهي تصيح
-اخرسي ..أن تاخذي المال من الناس شيء لطيف أليس كذلك..هيا اذا لتذهب وتتوسلي رغيف الخبز والمال منهم لعلهم يشفقون عليك مثل الكلاب الضالة ..كاذبة مخادعة كأباكي تماما
تصرخ آن مندفعة بصوتها وهي تقول
-لا تقولي ذلك عن أبي
-تركنا وما زلت تدافعين عنه وحتى لا تعلمين أي شيء , هيا اذهبي من أمامي قبل أن أرتكب جريمة بك
وبين جدران غرفتها المهترئة تجلس آن في زاوية الغرفة تحضن نفسها وتبكي بصمت ..فدائما ما كانت نفسها ملاذها الأخير من كل ما يحيط بها من قسوة, ودموعها الصامتة دائما ما كانت سبيلها لتخفف من فيض آلامها
انتهى هالفصل
رأيكم ؟ أحسن؟
التعليقات