كما هو واضح من عنوان الرواية "طيران" للكاتب محمد أ. جمال فالقصة واضحة من البداية وهي أن الناس في مدينة الإسكندرية سيتمكنون من الطيران بشكل ما وكأنهم طيور ولكن بدون أجنحة، شيئا فانتازيا ولكن الكاتب يتناول الفكرة بشكل أعمق عن حالة الناس وتقبلهم لهذه الفكرة وكيف يتعاملون معها. ولكن ما لاحظته هو أنه أحيانا يتوقف عن سرد القصة والأحداث ليتحدث مع القارئ بشكل مباشر كما الاقتباس التالي "لو كان بوسعي إنهاء الحكاية الآن لفعلت؛ فقد انتصر الخير على الشر -كما هو واضح- وزال الخطر ربما كنت لأضيف فقرتين مثلا!" وهذه الطريقة في السرد ومخاطبة القارئ كانت منتشرة قديما فتجدها في بعض أعمال طه حسين وفي العديد من أعمال د. أحمد خالد توفيق وكان هذا لأن جمهور طه حسين لم يكن على وعي كافي بفكرة الرواية وأما جمهور أحمد خالد توفيق فكان أغلبه من المراهقين وهذه الطريقة كانت لجذبهم للقصة بشكل ما وكأن البطل يتحدث معهم ولكنه توقف عن عادة مخاطبة القارئ عندما كتب روايات للكبار؛ لهذا فعند قراءتي لرواية طيران الحديثة ولكاتب شاب تفاجأت أنه يستخدم نفس الأسلوب في عدة مواضع فبرأيك هل هي حيلة جيدة أم منفرة وتجعلك لا تتفاعل مع الرواية بشكل جيد؟
رواية طيران: مخاطبة القارئ بطريقة مباشرة في النص... حيلة جيدة أم منفرة؟
لا أفضلها، لأنها بالروايات والقصص تقطع تركيزي مع الأحداث، وتفصل اندماجي مع السرد. نفس الفكرة حين تشاهد فيلمًا ولكن شخصا ما يجلس إلى جانبك معلقًا بين كل حدث والآخر.
ولكن هل لا تفضلين هذه الفكرة في العموم أم أنها كانت مقبولة مثلا في فترة المراهقة أو عند قراءة القصص للناشئة؟
أحيانا تكون جيدة، عندما لا يتم استخدامها بشكل مبالغ فيه، ولا تتكرر كثيرا في النص، وأحيانا عندما تكون بشكل فكاهي. بالنسبة لي، لا أحبذه كثيرا؛ لأني أفقد التواصل مع النص نفسه خاصة إن كانت القصة سردية، وأفكر في أحداثها. لكن، قد يكون الأمر تابعا لذوق القارئ نفسه.
وأحيانا عندما تكون بشكل فكاهي
ما قصدك عندما يكون الأمر بشكل فكاهي؟ ولو هنالك أمثلة من الذاكرة على هذا الأمر سيكون مفيدا جدا.
وأيضا عن نفسي لا افضل هذا الأسلوب بالأساس فلا أريد لأحد أن يأخذ بيدي ويقول لي افعل كذا أو كذا أو انتبه هنا، ربما أتقبل هذا في أعمال مثل قصص الأطفال أو المراهقين أو الروايات التفاعلية أما في العموم فلا أفضلها.
أعتقد أنها تعتمد على سرد الكاتب ومدى ملائمة القصة لهذا الأسلوب.
أحيانًا أجد هذا الأسلوب مسليًا وكأنني برفقة صديق يروي قصته، ثم يلتفت لي من حين لآخر ليدلي بتعليقاته، وأحيانًا يكون الأمر مزعجًا لو أن هذه المقاطعات زادت عن حدها.
وكرأي شخصي، أظن أن استخدام الكاتب محمد أ. جمال لهذا الأسلوب هنا في هذه الرواية هو نابع فعلًا من تأثره بدكتور أحمد خالد توفيق، فعلى حد علمي هو من محبيه.
بالفعل هو متأثر به بلا شك، وهذا ليس عيبا ولكن المشكلة أن الرواية موجهة للكبار فلم أجد مبرر لهذه الحركة لأن بالفعل لديه شيئا ما يقوله ويكتب شكل جيد. هل لديكِ أمثلة لـ روايات وجدتي الأمر فيها مسليا ولطيفا؟
تقييم أي عمل أدبي يتم بشكل شامل, لا يهم الأسلوب المستخدم في كتابة الروايات مادام يعد أسلوبا أدبيا جذابا, ولكن هذا لا ينطبق على الجملة التي اقتبستها هنا, يبدو وكأن الرواية مرفقة بكاتالوج بداخلها لشرح كيفية استخدامها, أسلوب يستخف بعقل القارئ...مع احتراماتي للكاتب ولكن الجملة بمنتهى السطحية, وأسلوب صياغتها ركيك للغاية.
هي ليست حيلة، لا أتفق أنها حيلة، هي برأيي صعف واضح من الكاتب سواء استخدمها طه حسين أو نزار قباني أو كائناً من كان، الفن ميزته أنه عمل ليس مباشر، من يريد كتابة أعمال مباشرة وخطاب مباشر فليكتب رواية، ولذلك أرى هذا الأمر ضعف واضح بالكاتب أو عجز عن إيصال ما أراد إيصاله، أي أن القصة قد غلبته بسبب أنها صعبة الشرح مقابل الفئة العمرية المستهدفة أو بسبب أنه لم يقضي الوقت الكافي في معالجة هذه القصة والبحث فيها جيداً فاستطاعت غلبه ضمن غبار العمل، لهذا كله أنا لست مع المباشرة مهما كانت الأسباب ولا أراها كحيلة بل كعامل ضعف كبير بالكاتب.
في الماضي شيئا أخر لو أطلعت على تاريخ الكتابة الأدبية في مصر مثلا لم يتقبل الجمهور فكرة القصة القصيرة عند طرحها في الأول لأنهم كانوا يتعاملون مع الجرائد أنها تصف الأحوال والأخبار فبالتالي كانوا متمسكين بالمقالة، ولم يكن الجمهور على الوعي الكافي بسرد القصص كانوا معتمدين على السرد الشفهي لهذا كان طه حسين يستعمل هذا الأسلوب في البداية كما كان يستخدمه ديكنز ونيقولاي جوجول ولكن الأجيال التالية من الأدباء توقفوا عن مثل هذه العادة كما توقف عنها الأمثلة التي طرحتها بعدما أصبح الجمهور متقبل لفكرة السرد دون التحدث مباشرة للقارئ.
بصراحة لا أفضل هذه الطريقة لا بالكتب ولا في الأعمال التصويرية، تفصلني دائماً وتقطع اندماجي مع ما أقرأه أو أتابعه، ولا أعلم لماذا يصر صناع المحتوى على تبني مثل هذه الطرق.
التعليقات