كتاب الصفحة البيضاء: ما الذي يحدد شخصيتنا وسلوكياتنا؟

أنا أتفق أن الإنسان يكون على ما هو عليه بسبب العاملين معا، العامل البيولوجي المتمثل في الجينات والعامل البيئي المتمثل في البيئة التي ينشأ فيها الطفل وطريقة تربيته وما يتعرض له من ظروف مختلفة، الجينات تتحكم في كل شيء داخل أجسامنا، كنت قد طرحت في مساهمة سابقة بأن هناك دراسات توضح أن شهوة القتل والميل للعنف يمكن أن يكون أحد أسبابها أو محفزاتها هو خلل في عمل أحد الجينات وهو ما إذا تم التوسع في الأبحاث المهتمة بشأنه وكانت هناك توكيدات أكبر بشأن قوة العامل البيولوجي في توجيه الأشخاص نحو العنف وارتكاب الجرائم لربما تكون هناك توصيات قانونية خاصة في الحكم عليهم لأنهم في هذه الحالة يصنفون كمرضى، هذا كان مجرد مثال على تأثير الجينات على كثير من جوانب شخصيتنا وبالتالي أفعالنا وقرارتنا، فالجينات لها دور هام والبيئة أيضا لها دور هام والاثنين يؤثران في بعضهما البعض ويشكلان شخصية الفرد.

من وجهة نظري الشخصية والتصرفات تتأثران بكل من البيئة والوراثة، هناك دراسات تشير إلى أن هناك عوامل وراثية قد تلعب دورًا في تحديد بعض السمات الشخصية مثل الذكاء والتفاؤل. في الوقت نفسه، البيئة والتجارب لهما أهمية كبيرة في تطوير المهارات الاجتماعية والقيم الأخلاقية. الواقع للشخص هو مزيج من العوامل الوراثية والبيئية، حيث يلعب كل منهما دورًا في تشكيل هويتنا وتصرفاتنا.

دائما لما يتم طرح مثل هذا التساؤل أتذكر المثل الذي يقول العرق دساس، القصة لفتاة من الخدم تربت في عائلة ملكية لكن رغم ذلك في الكبر قامت بتصرفات للخدم إلى أن ثبت صلتها بالخدم، الجينات تلعب دور في حياتنا حتى لو البيئة التي تربينا فيها مختلفة، والشخص في النهاية هو مزيج بين الاثنين.

بالنسبة لي الأمر خليط من ثلاث

أولا وأهم شيء التربية ويظهر تأثير هذا الأمر في أمثلة لتوائم تم تفريقهم وتربى كلا منهم مع أسرة مختلفة فيظهر التباين في شخصياتهم تبعا لنشأتهم وما تربوا عليه

لكن لا يمكن للمرء أن يغفل عن دور الجينات عندما يظهر لك مثال صارخ مثل السفاح تيد باندي الذي نشأ في أسرة عادية بل وتخرج من كلية الحقوق وكان وسيما وله حضور طاغي لدرجة إعجاب الفتيات به بعد القبض عليه ومراسلته في السجن يجعلنا نتسأل هل السبب في التنشئة والتربية فقط أما أن هناك خلل في الجينات مثلما أشارت رنا

ويظهر العامل الثالث الذي يتحدث عنه علماء النفس وهو الوجدان الجمعي خبراتنا التي توارثناها من أسلافنا والمطبوعة على شفرتنا الجينية

بالنسبة لي العامل المسيطر الأكبر هو التربية والنشأة لكن لا يمكن لي إغفال وجود العاملين الآخرين

أنا أتفق بأن للجينات دور .. وهي نفسها الجينات تتأثر من المحيط

وتراكم الخلايا العصبية ، إن القشرة الدماغية تعد أحدث جزء في الدماغ وهي تطورت بناءعلى عوامل منها الطعام وأسلوب الحياة وهكذا

تظل القيم والأخلاق تختلف من شخص لآخر

ولكن من أين سوف يستمدون القيم والأخلاق إذا كانت نشأتهم موحدة يا سارة؟

النفس البشرية تحمل صفات الخير والشر، وعامل النشأة والتربية مسؤول بنسبة كبيرة عن تحديد السلوك ثم يأتي بعد ذلك دور التقويم الذاتي لتحسين سلوكياتنا وردود أفعالنا.

مثلًا الطفل الذي نشأ مع أبوين لا يعرفان إلا الصراخ وسيلة للتعبير، سوف ينشأ على ذات الشاكلة، بعكس طفل نشأ مع أم وأب يعلمانه معنى التواصل الفعال، وخطوات حل المشكلة بدءًا بتحديدها ثم تقسيمها ثم وضع مقترحات للحلول ثم اختيار أنسبها بما يتوافق مع المعطيات، قارني بين سلوك الطفلين!

طفل آخر نشأ في أسرة تشجعه على التعبير عن مشاعره ويعرف كيف يصف ما يختلج صدره وما يجيش في نفسه يختلف جذريًا وكليًا عن طفل لم يحدثه والداه يومًا عن الشعور والإحساس، فهل الجينات هنا سوف تنقذه؟

أعتقد بحسب مراقبتي وليس عن طريق استكشافي وقراءتي لأمور علمية بحتة في هذا الموضوع بأنّ العامل الذي يحكمنا عند الطفولة هو الوراثة، حيث نُخلق جميعاً ونحن نأكل كما يأكل أحد أبوينا ونشرب ونجلس ونتكلم ونفكر مثله، نأخذ تقريباً كل صفاتنا الوراثية منه مباشرةً ونكون نسخة طبق الأصل تقريباً عنه في كل شيء، أي نبدأ من حيث انتهى هو ولكن ما يميّز هذه العملية بنظري وبحسب مراقبتي بأنها عملية ليست جبرية منتهية عند هذه المرحلة فقط بل لها استكمال بكل تأكيد، حيث استكمالها يكمن في أنّ الطفل سيكون مفتوحاً أيضاً على التغيير بناءً على المواقف الشخصية المختلفة التي سيتعرض لها هو، هذا الأمر يبدأ مباشرةً من لحظة وعيه ولذلك نرى أن معظم الأطفال يختلفون مع أهاليهم فقط عند الكبر لإنهم بهذه اللحظات يبدؤون بملاحظة مسارهم الخاص وشخصيتهم الخاصة ويكمن الخلاف بينهم في أن معظم الآباء يستغربون هذا التحوّل المفاجئ ويعتبرونه شاذاً على أنه بوادر تشكيل شخصية مستقلة عند الطفل الذي أصبح شاباً الآن بعيداً عن رعاية أهله ونظامهم التربوي والوراثي أيضاً!