قبل أن نُناقش الوضع الحالي للحالة الأكاديمية الموجودة في العالم وخاصّة في المنطقة العربية، علينا أن نتفق أوّلاً على جوهر كلمة أكاديميّة وأكاديميا، باختصار هي التسمية التي أُطلقت على المكان الذي اتخذه أفلاطون المؤسس لنقاشاته وتدريسه، وهذا المكان كان مكاناً مُقدّساً لألهة الحكمة والمهارة. 

في ذلك الوقت لم تكن المعرفة البشرية مُختزنةً إلى هذا الحدّ الذي نقتعد عليه الآن، فهذا الهرم الذي شكّلناه بالمعرفة المُختزنة هو ابن الألفية الأخيرة، أمّا في السابق فكانت الأكاديميّة تعني النقاش والتدارس، تعني المحاورة والتبصّر في الأشياء، تماماً كدور سقراط الحكيم الذي كان يُعلّم بلا منهاج ويحفظُ من غير كتاب وكذلك تلاميذه.

الآن دور أكاديمياتنا التي هي صلة وصل بنِتاج كُل ماضي تقوم بذات الدور؟ والجواب باعتقادي يجب أن يأتي سريعاً حيث تحوّلت الجامعات وتدريجياً إلى أماكن لإعادة حفظ وأرشفة المعلومات المُختزنة أصلاً في الكتب لتكون مختزنةً في الدماغ، صارت الجامعة ناقلةً ضخمةً للمعرفة، مستوعباً كبيراً للأفكار التي لم ولن تصتدم بها العقول لمضاعفتها. 

يُحاجج برتراند راسل هُنا في كتابه الرائع "فلسفة ما الذي أؤمن به" في العلاقة بين الذكاء ومهمّة الجامعة الرئيسية في هذا الأمر حيث يقول ساخراً ومُتهماً: "لا يجبُ الافتراض بأنّ المسؤولين عن التعليم يرغبون في تعليم الشباب، على العكس، مشكلتهم تكمن في كيفية نقل المعلومات دون نقل الذكاء!" - ومن ثُمّ بعد ذلك يُعطينا بسطر واحد فقط وظيفة الجامعة بكل اختصار: "خلق العادات الفكرية التي تساعد الناس على تحصيل المعرفة وإطلاق الأحكام بأنفسهم، نستطيع أن ندعوا هذا الذكاء" 

هذا بالضبط برأيي ما نُعاني منه في دروبنا التعليمية الأكاديمية وهذا بالضبط ما يجب أن نعرف سببه الأساس، قد أُؤشّر على واحدٍ منها مثلاً، صناعة البروباغندا والأيديولوجيات، حيث أنّ هذه الأنماط التعليمية التي تجعل وتُمكّن الشاب من القراءة دون أن تُعطيه القُدرة على وزن قيمة ما يقرأ وأهمية ما يقرأ هي بالضبط ما يحتاجه أحياناً وطننا العربي من الأعداء ليسهُل عليه تفتيته وتظليله بالوهم. 

وأنت، ما هو السبب برأيك الذي جعل أكاديمياتنا بأوضاعها المُترديّة الأخيرة؟ وهل أنت مُقتنعٌ مثلي أنّ الذكاء وانتاجه هي وظيفة الجامعة حقاً؟ أم أنّك تقيم أوزاناً وقيمة لتخزين وحفظ المعلومات وتلقّنها في الجامعات؟