قد نتساءل عن حقيقة الناس، ونحتار في الوقوف على طبائعهم الحقيقية، وهذا لأننا نرى دائماً من يتغير بل نادراً ما يظل أحداً كما عرفناه وألفناه، بل كلما اقتربنا وجدنا تفاصيل مختلفة، وكلما جالسنا لمسنا تلك القابلية القوية للتغيير حتى فيمن نعرفهم جيداً، الشرير يصير طيباً والطيب يصير شريراً والمسالم قد يقتل والقاتل قد يتوب، قديماً كنت أقول أن الإنسان ليس بالمظهر الخارجي ولا بحلاوة اللسان والبسمات والضحكات، بل بقلبه الذي هو حقيقته وعقله الذي يتحكم في قراراته، أما الشكل الخارجي فهو خداع، ولكن في كتاب (المسيخ الدجال) للدكتور مصطفى محمود يقول أن حتى حقيقة الإنسان ليس بقلبه وعقله، فيقول:

"لا تنظر إلى ما يرتسم على الوجوه و لا تستمع إلى ما تقوله الألسن و لا تلتفت إلى الدموع فكل هذا هو جلد الإنسان و الإنسان يغير جلده كل يوم و لكن ابحث عما تحت الجلد، لا ليس القلب ما أعني فالقلب هو الآخر يتقلب ولهذا يسمونه قلباً، ولا العقل، فالعقل يغير وجهة نظره كلما، غير الزاوية التي ينظر منها، و قد يقبل اليوم ما أنكره بالأمس، ألا يبدل العلماء حتى العلماء نظرياتهم ؟ "

إذن إذا لم تكن حقيقة الإنسان بمظهره من كلام وملبس وتعامل مباشر، ولم تكن كذلك في قلبه ومشاعره وليست في عقله، إذن أين تكمن حقيقة الإنسان؟

إن حقيقة الإنسان تكمن في أفعاله حين يكون حراً تماماً، غير مكبل بأي قيد نفسي أو مجتمعي أو معيشي، حينها ستجد الحقيقة واضحة، حقيقة نفسه التي خلقه الله عليها، حيث يقول د/مصطفى محمود :

"إذا أردت أن تفهم إنساناً ما فانظر فعله في لحظة اختيار حر حينئذ سوف تفاجأ تماماً.. "

ويقول:

"انظر إلى الإنسان عندما يكون وحيداً.. أو في غربة لا يعرفه فيها أحد .. أي بلا رقيب و لا حسيب حينما يرتفع عنه الخوف و ينام الحذر و تسقط الموانع"

بالنسبة لي فأنا أعامل الناس دون أن أهتم كثيراً بحقيقتهم، وهذا لأنها أمر معقد، والإنشغال بالآخرين مفسدة لحياتي بكل تأكيد، فالانشغال بنفسي أولى، بل إن الطريقة المثلى في نظري والتي اتعامل بها مع الناس هي حسن الظن طالما لم يبدر منهم أي فعل يستدعي الحذر، والحذر في وقت الشبهة طالما وجدت من الشخص ما يستدعي ذلك.

والآن عزيزي القارئ، دعني أسألك:

أين تكمن حقيقة الإنسان في نظرك؟ وهل تهتم بمعرفة حقيقة نفوس من حولك؟