في كتاب (مسلكيات) للكاتب ابراهيم سكران فصل مدون تحت عنوان "إلباس العجز جبّة الحكمة"، حيث يتحدث الكاتب عن محاولة الكثير من العاجزين على فعل شيء ما في درب من الدروب مدارة عجزهم هذا باظهاره في ثوب الحكمة، فمثلًا تجد غير القادرين على حفظ المعلقات الشعرية، او ما يشابههما يرددون بأن العبرة ليست بالحفظ بل بالفهم، فما فائدة أن يحفظ الإنسان كل هذا العلم ولكن لا يفهمه ويكأن من قال أنه يجب حفظ العلم قال احفظوه دون فهم. 

وأنا اقرأ هذا الفصل رأيت نفسي في الكثير والكثير من المواضع التي عجزت فيها عن الإتيان او تعلم شيء ما فحاولت اختلاق الكثير والكثير من الحجج حتى اقنع نفسي بأني لست عاجزة ولم أفشل. 

ففي محاولتي لتعلم اللغة الانجليزية وفشلي بالطبع اقنعت ذاتي بأنه كيف اسعى لتعلم لغة اخرى وما زال امامي مئات الدروب في لغتي الأم اللغة العربية الفصحى لم اخطو فيها بعد، ويكأن الطريقين بينهما تعارض مثلًا؟!

كتاب ما ضخم، أو سلسلة كاملة مهمة غير قادرة على قراءتها بسبب ضخامتها، أو بسبب كسلي، أو وهم ذاتي بأنها ذات مستوى فكري عال، وأنا ما زلت في البداية وبالتالي لا تناسبني الآن، وسأبدأ في قراءتها بعدما أصل إلى مستوى قريب من مستواها، وهكذا .... 

وحقيقة لا اعرف حتى بعد قراءتي لكلام الكاتب إن كانت محاولتي تلك، ومبرراتي هذه نابعة بالفعل من عجزي، أو هي حقيقة لا مفر منها. إلا أنه بالتفكر الكثير وصلت أفكاري إلى نقطة أخرى أظن أنها في غاية الأهمية، ألا وهي مصطلح (العجز) الذي ذكره الكاتب تعبيرًا عن فشل المرء في اتيان ما قدر عليه غيره.

هل نحن مطالبين في الأساس في الإتيان بما وصل إليه غيرنا؟ هل فشلنا أو عدم قدرتنا على فعل أمر بعينه هو عجز؟ أم هي قدرات بشرية لا يمتلكها الكثيرين، وربما من عجز عن هذا نجح في آخر. 

اتفق مع الكاتب في جزئية أن أولئك العاجزين يحاولون مدارة عجزهم هذا بإلباسه ثوب الحكمة، مما قد يؤثر على الآخرين بالعزوف عن الأمر رغم قدرتهم على الإتيان به بعدما أصابهم الفتور بسبب كلمات الأول، وربما جاءت كلمته على وتر حساس لديهم يبتغى أسهل الطرق، أو ربما التسويف. وأرى أن من لا يجد في نفسه المقدرة على مشقة طريق ما أن يُغير الطريق في صمت، دون محاولة دفع الآخرين إلى فعل ما أقدم هو عليه. بل وأكاد أجزم أن من يفعل غير هذا يكون فعله نابعًا من غيرته، أو حقده على من تمكن من فعل ما لم يقدر هو عليه، وبالتالي يبتغى أن يفشلوا مثله حتى لا يشعر بالدونية أو الفشل. ورغم هذا ما زال صدى سؤال ما يتردد في عقلي دون توقف. 

لماذا الاستسلام؟ لماذا رفع الراية البيضاء واعلان العجز عن الاستمرارية في الطريق إن كان طريق خير بحق؟ هل هي رغبة في الكمال والوصول إلى نهاية الطريق بأسرع ما يُمكن؟ هل من الأساس نحن مطالبين بالسعي أم حتمية الوصول؟ 

من رأيي أن العبرة ليست بالوصول، ولكن بالطريق وسيرنا به وما نواجهه من عبر ومكتسبات وعوائق نمر بها في كل خطوة، قد لا نصل إلى النهاية، قد يأتينا الأجل، قد يحدث أي شيء، ولكن يكفينا متعة الرحلة والسعي. 

وأنت ما رأيك؟