لا شك أنّ الشعر ميراث العرب، فهو ما أبدع فيه العرب وطوعوا فيه الكلمات والحروف لتكون سحرا يخطف الألباب، ويعبروا فيه عن أسمى المعاني وأجملها، وقد تطور الشعر العربي عبر التاريخ وظهرت فيه الأشكال المختلفة، من الشعر العمودي القديمة الذي تتكون فيه القصيدة من شطرين، ويلتزم فيه بقافية واحدة آخر البيت طوال القصيدة، إلى ما يطلق عليه شعر حر ويتكون من سطور، ولا يلتزم فيه بقافية معينة؛ مرورا بالشعر التعليمي الذي انتهجه بعض العلماء كابن مالك في ألفيته وهو شكل من أشكال الشعر العمودي لكن لكل بيت قافيته المختلفة يلتزم بها شطراه.

والشعر العمودي نفسه الذي كتبه العرب قديما له أشكال، فمنه الكامل والمشطور والمجزوء والمنهوك.

وكل ذلك يعد شعرا بلا خلاف، حتى جاء الشعر الحر، الذي يتخذ شكلا مغايرا تماما، بل وأحيانا لا يلتزم بالأوزان الخليلية، وما الشعر إلا الاوزان!.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، متى يعد الشعر الحر شعرا، وما هي قواعده إن وجدت؟

تناولت نازك الملائكة هذه القضية في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" ودافعت بقوة عن الشعر الحر، وأرست له قواعدا وأحكاما حتى يمكن وصف الشعر الحر بأنه شعر.

ترى نازك أن الشعر الحر ما هو إلا أسلوب من أساليب الشعر، وقد قسمت أساليب الشعر عندها إلى:

أسلوب البيت: وهو يتكون من شطرين، عدد التفعيلات فيه ثابتة

أسلوب الشطر الواحد: وهو شعر يتألف فيه الشطر من عدد تفعيلات ثابتة عبر القصيد كلها.

أسلوب البند.

أسلوب الشعر الحر.

لكن ماذا يقصد بالشعر الحر حسب الشاعرة والكاتبة نازك الملائكة؟ حسنًا تعرفه الشاعرة بأنه " شعر ذو شطر واحد غير ثابت الطول وإنما يمكن تغير عدد تفعيلاته من شطر إلى شطر، وفق نظام عروضي يتحكم به".

وقد فضلت تسمية هذا الشطر بالسطر، فالشعر الحر عندها يتكون من أسطر وليس أشطر.

ونرى هنا أن الشعر الحر له قوانين تتحكم به وليس الأمر متروكا للهوى. بل إن نازك هاجمت وبشدة الذين يتحررون من تقييد الأوزان ولا يلتزمون شكل التفعيلات، وترى أن هؤلاء يكتبون نثرا وليس شعرا، ولم يأخذوا من الشعر سوى شكل الكتابة فقط، فجعلوا نثرهم على هيئة أسطر وقالوا هذا شعر وما هو بشعر.

وفي نفس الوقت عتبت على النقاد رفضهم التام للشعر الحر دون النظر إليه ودراسته، وتقول أن الشعر الحر شعر لأنه يلتزم بالقواعد الخليلية لأوزان الشعر ولم يخرج عنها، وإنما اختلف الأسلوب فقط، واقتصار الشعر الحر على أنواع معينة من بحور الشعر العربي.

البحور والأوزان التى يأتى عليها الشعر الحر:

الشعر الحر لا يأتي إلا على ثمانية أوزان وبحور من بحور الشعر العربي مقسمة إلى نوعين كالتالي:

الأول: البحور الصافية وهي:

1- الكامل. ووزنه: متفاعلن متفاعلن متفاعلن.

2- الرمل. ووزنه: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن.

3- الرجز. ووزنه: مستفعلن مستفعلن مستفعلن.

4- الهزج. ووزنه: مفاعيلن مفاعيلن.

5- المتقارب. ووزنه: فعولن فعولن فعولن.

6- الخبب. ووزنه: فعلن فعلن فعلن فعلن.

الثانى: البحور الممزوجة وهي:

1- السريع. ووزنه: مستفعلن مستفعلن فاعلن.

2- الوافر. ووزنه: مفاعلتن مفاعلتن فعولن.

والآن دعونا نسرد قواعد الشعر الحر حسب رؤية نازك الملائكة فهي تتلخص في الآتي:

من أهم القواعد والأحكام التى تسري على الشعر الحر بشكل عام أنه لا يجوز نظمه سوى من البحور الثمانية: الكامل، الرمل، الهزج، الرجز، المتقارب، الخبب (المتدارك)، السريع والوافر.
الشعر الحر لا يتقيد بعدد معين من التفعيلات بل يعتمد على تكرار التفعيلة فى السطر الواحد، لكن يجب ألا يتجاوز العدد الحد الذى يتنافى مع الحس الموسيقي والذوق الذى عرفه العرب فى الشعر منذ القدم فكثرة التفعيلات فى السطر الواحد تنفر منه الأذن.
أباح البعض التدوير فى الشعر الحر، لكن للحق فإن التدوير يعد جريمة فيه، ذلك أن ملزمات التدوير قد اختفت فى الشعر الحر وأصبح بإمكان الشاعر الحر أن ينظم فى قصيدته ما يشاء من تفعيلات بالسطر الواحد فلا يتقيد بعدد معين فما الداعي للتدوير إذا؟! ثم إن التدوير خاص بأسلوب الشعر ذى الشطرين ونحن هنا نتبع أسلوبا مختلفا تماما يعتمد على الأسطر لا الأشطر فليس ثم حاجة للتدوير.
ومن القواعد التي تتعلق بالبحور التي ينظم عليها الشعر الحر فمن أهم قواعدها الحفاظ على التشكيلات فلا تخلط جميع التشكيلات فى قصيدة واحدة فإن أتى الشاعر بتفعيلة معينة فى آخر سطره فعليه الالتزام بها فى نهاية كل سطر إلى آخر القصيدة.
بالنسبة للبحور الممزوجة فالتنويع يكون فى عدد التفعيلة المكررة، أما التفعيلة الأخيرة فتكون ثابتة بنهاية كل سطر إلى آخر القصيدة.
أما البحور الصافية فيجب فيها مراعاة الزحافات التى تدخل على آخر تفعيلة منها لأنها تعد تشكيلة جديدة وتدخل فى دائرة البحور الممزوجة حينها فيجب الاتزام بها في نهاية كل سطر بالقصيدة كلها.

الشعرة نازك زعمت أن نظم الشعر الحر أصعب من الشعر التقليدي، والحق وعن تجربة شخصية فهي قد أصابت في زعمها هذا، فإني أكتب الشعر العمودي منذ ان كنت طالبا في الجامعة، ولم أكن أعترف بالشعر الحر، نظرا لما كان يتصدر المشهد منه، لكن حينما قرأت كتابها تقبلته، فقد فهمت أنه شعر لكن بأسلوب مختلف، وحينما حاولت نظم الشعر الحر تيقنت من صدقها في كونه أصعب من الشعر العمودي التقليدي.

وأنتم ما رأيكم في الشعر الحر؟ هل تقبلونه شعرا؟ أم ترونه حلا اتخذه بعض الذين لم يقدروا على نظم الشعر التقليدي رغم صعوبته؟ وما هي أفضل قصيدة قرأتموها للكاتبة؟