لطالما أرهقه البحث عن وجود إله لهذا الكون، حيث قال: (من الغرابة أن زرع والدي داخلي الحماس والنقد الذي سيقودني في نهاية المطاف إلى إنكار مبدأ والدي)، بهذا الشكل برّر الكاتب البريطاني أنطوني فلو لنفسه الأسباب التي جعلته في البداية ينتهج الإلحاد، ثم يعاود بعد ذلك البحث من جديد ووضع ما وجده أثناء بحثه في كتابه (هناك إله) والذي يأتي بعد نشره للعديد من الكتب التي كانت تؤيد قناعاته الأولى.

يأتي الكتاب في فصول عشرة، يبدؤها أنطوني فلو بحديثه عن الإنكار، حيث جعل من مقولة سقراط (اتبع الدليل حيث قادك) قاعدة حياتية لكلّ أمور حياته، الأمر الذي تنقلّت قناعاته بين القبول والابتعاد على كافة الأصعدة الفكرية والفلسفية والعقائدية والشخصية، ليكون في تلك المرحلة من مؤسسي فلسفة الإلحاد والإنكار.

لاحقاً يطلّع فلو على كتب تنفي معتقداته التي كان يؤمن بها، ويتناول كاتبوها الأمر بطرق علمية منطقية، هذا الاطلاع على تلك الكتب جعل أنطوني فلو يعكس الفرضيات التي كان ينتهجها للتأكد من صحة ما كان يعتقده ويراه أمراً مسلّماً، حيث كان تبريره في ذلك بأنّ (الواقعية التي تقف خلف تفكيرنا والتي تقودنا في دراستنا لكونٍ دقيق لا يمكن أن يكون مصدرها من الحجارة)، هذه الخطوة جعلته ينتقل في رحلة اكتشافه للإله، ويضع في ذلك مثالاً بسيطاً يوضح فكرته حيث يقول:

 (تخيلوا أن قبيلة تعيش في جزيرة معزولة وجد أهلها هاتفاً خلوياً مكنّهم من سماع أصوات بلغات غريبة حين يقومون بالكبس على بعض المفاتيح...فكان أن ظنّ رئيس القبيلة بأنّ ما يسمعونه هو صوت أشخاص آخرين في مكان آخر..، قد يرفض كثيرون في القبيلة هذا الاقتراح لأنّ لديهم نظريات مسبقة عن تكوين المعادن وتشكيل الأجسام الصلبة وعلوم أخرى تعلموها جعلت فكرة رئيس القبيلة مرفوضة.. مما يجعلنا نفكر ونحلل الموضوع بأنّ النظريات المسبقة تشكل الطريقة التي نرى بها الدليل، بدلاً من أن ندع الدليل يشكل نظرياتنا)، وحينها بدأت قناعاته تتشكل بأنّ الكون قائم على الأفكار العقلانية وبأنه لا يمكن تجنب الواقعية في الكون من خلال أي نحو من أنحاء اللجوء إلى فكرة الانتخاب الطبيعي، حيث أنّ الإله ليس حقيقة عمياء وإنما عقلانية مطلقة في كل جوانب الوجود.

في النهاية تتبدّل القناعات لدى أنتوني فلو ليؤمن حينها بأنّ هذا الكون لا يمكن أن يكون دون صانع له، واضعاً ذلك في كتابه الذي يمكنكم تحصيله والاطلاع على رحلة فلو في فصوله العشرة.

أعجبتني الطريقة التي ختم أنطوني فلو كتابه فيها حين تمنى لو كان والده حياً ليرى كيف استطاع ابنه الوصول لصلب الحقيقة التي رفضها قديماً، قائلاً في ذلك (لكلّ منا خيبات أفكار في شبابه ولكن الفرصة لم تعط للجميع لكتابة تغيير أفكاره وندمه مثلي).

ليجعلني الأمر أتسائل:

قناعاتنا، وأفكارنا، وآراؤنا، هل هي قائمة على الثوابت والبراهين التي يجب على عقلنا أن يسعفنا بإجابات عنها، أم أنّ هنالك أموراً في حياتنا مبنية على مسلّمات لا حاجة لطرح الأسئلة حولها؟

وتلك المواقف التي نمرّ بها، هل يكون من السهل الاعتراف بأخطائنا فيها; أم أن الاعتراف والتراجع عن الخطأ يكون صعباً أحياناً؟