هذه الرواية هي أحدث طبعة عربية (وأسوأ) اصدارات الكاتب المُلهم باولو كويلو . نعم، لقد أطلق الرجل رصاصة الرحمة على ماتبقى من مستقبله الأدبي عند القرّاء العرب عند سماحه بطباعة هذا الكتاب، وعليه منذ الآن أن يعتاش على ذكريات أعماله الجميلة السابقة؛ وهي بالتحديد (الشيطان والآنسة بريم، الجبل الخامس، وبدرجة أقل الخيميائي).
لقد حرص “كويلو” على أن يخرج للقرّاء بأعمالٍ سنوية، ليس لرفد المكتبة العالمية بعملٍ أدبي يُسطّر اسمه في سجلّ الخالدين! بل بقصد مجلبة النفع المادي؛ وذلك استغلالاً لاسمه الذي بات “تريند” عالمي يسيل لأجله لعاب دور النشر للتعاون معه.
في هذا الكتاب غدر الكاتب بقرّاءه العرب؛ فقد وعدنا برواية رائعة اسمها “رامي السهام”، وعندما وصلت إلينا شعرنا وكأنه رمى قلوبنا بسهم تدليسه، فهذا الكتاب قديمٌ أولاً، وليس برواية، ولايمكن له أن يكون رواية، ولا أجد فيه شرطاً واحداً من شروط الرواية ولا حتى في بنائها الفني، ثم لم أجد تقنيةً سردية تشبهها إلا بوستات صفحات الأدب المائع في فايس بوك، تلك التي يديرها ثلة مراهقين رصيدهم صفرٌ من الأدب الراقي..
صدر الكتاب أول مرة إلكترونيًاً عام 2003 بنسخةٍ اسبانية فحسب، ولم يُطبع ورقياً بنسخة عربية حتى صدور هذه الطبعة، لذا فغالبية القرّاء العرب تجهل هذا الكتاب ولايذكرونه من جملة أعمال الكاتب، وقد تحمّسوا كثيراً عند سماع خبر إصدارٍ جديدٍ له، لكنّ حماسهم هذا انقلب إلى خيبة أمل بعدما عوّلوا عليه كثيراً ثم وصل إليهم فوجدوه بهذه الهزالة ولسان حالهم يقول: “تمخّض الجبل فأنجب فأراً”.
في الرواية يصل الغريب رامي السهام بعد رحلةٍ طويلة إلى المعلم المحترف “تتسويا” والذي اعتزل العالم في قرية نائية، كان هدف الغريب من هذه الرحلة أن يُري المعلم “تتسويا” شيئاً من براعته وحرفنته في رمي السهام، لكن المعلم فاجأه باختبارٍ بسيط جعل الغريب يستحي من إمكانيّاته ويُشعره بحاجته إلى دروسٍ في “فلسفة القوس والسهم”
في صفحات الرواية رسومٌ كثيرة وضعها الرسام الألماني “كريستوف نيمان” يقابلها جُملٌ من عدة سطور ركيكة الفكرة حول طريق السهم نحو الهدف، وعلاقة السهم بالقوس، ويد الرامي والسهم وثبات القدمين.. وغيرها من هذه “الكليشيهات” البائدة التي لاتليق بإسم الكاتب وتاريخه. وقد وضعت لكم أخيراً مقتطفاً من هذه (الرواية) رأيته أفضل ما فيها وما تبقى غثٌّ لايعوّل عليه.
صدرت الطبعة العربية الأولى عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر / بيروت عام 2021، وتقع في 148 صفحة من القطع المتوسط، ولا أنصح بقراءتها ولا التفكير باقتنائها إلا إذا كان الهدف الفرجة على رسومات الفنان الألماني نيمان.. فنعم.
☆ مقتطف من الرواية:
“سحب الغريب من حقيبته قوساً طويلة مصنوعة من قصب
البامبو المطلي بالبرنيق، تنزلق قبضتها قليلا تحت المركز. أحنى
رأسه أمام “تتسويا”، وخرج إلى الحديقة، حيث أحني رأسه ثانية أمام
نقطة محددة. بعد ذلك، أخرج من جعبته سهماً مزوّداً بريش
النسر، ووقف غارساً قدميه بثبات في الأرض، بحيث يحصل على
قاعدة متينة للرمي، وبإحدى يديه جلب القوس قبالة وجهه،
بينما كانت يده الأخرى تموضع السهم.
كان الصبي يتأمل المشهد بمزيج من مشاعر الغبطة والدهشة،
بينما راح “تتسويا” الذي توقف الآن عن العمل يراقب الغريب بشيء
من الفضول.
والسهم مثبت في الوتر، جلب الغريب القوس إلى مستوى منتصف
صدره، ثم رفعها فوق رأسه، وبينما كان يخفض يديه ببطء، بدأ
يشد الوتر إلى الخلف.
عندما أصبح السهم بمستوى وجهه، كانت القوس مشدودة
بالكامل. لبرهة بدت كأنها تدوم إلى الأبد، ظل الرامي والقوس
ساكنين تماماً. كان الصبي ينظر بالاتجاه الذي يشير إليه السهم
لكنه لم يتمكن من رؤية أي شيء.
فجأة، انفتحت اليد التي تشد الوتر، وارتدت مدفوعة إلى الخلف،
بينما اتخذت القوس في اليد الأخرى شكلاً أنيقاً، واختفى السهم من
حقل الرؤية ليعود ويظهر في البعيد.
قال “تتسويا” إذهب واجلبه.
امتثل الصبي وعاد بالسهم الذي ثقب ثمرة كرز كانت على
الأرض، على مسافة أربعين مترا.
أحنى تتسويا” رأسه لرامي السهام، ثم ذهب إلى ركن من أركان
مشغله، حيث أخذ ما يشبه قطعة دقيقة من الخشب، مقوسة بشكل
رقيق، ومغلفة بشريط طويل من الجلد. فك الجلد بأناة وكشف
عن قوس مثيلة لقوس الغريب، لكنه بدا من الواضح أنها استعملت
أكثر كثيراً.
ليس لدي سهام، لذا سأحتاج إلى استعمال أحد سهامك. سألبّي
لك ما تطلب، لكن سيكون عليك أن تفي بالوعد الذي قطعته على
نفسك، وهو ألا تبوح قط باسم القرية التي أعيش فيها. إذا سألك أحد
عني، قل إنك ذهبت إلى أقاصي الأرض محاولاً الاهتداء إلي وفي نهاية
المطاف، علمت بأن أفعى لدغتني وقضيت بعد نزاع دام يومين.
أومأ الغريب برأسه موافقاً وقدم له سهما من جعبته.
أسند “تتسويا” أحد طرفي قوس البامبو الطويلة إلى الجدار وضغط
عليها بقوة إلى الأسفل، ثم وترها. بعد ذلك، دون أن ينبس ببنت
شفة، اتجه نحو الجبال.
تبعه الغريب والصبي. مشوا مسير ساعة حتى بلغوا فجوة
الفسيحة تقع بين صخرتين يجري فيها نهر هائج، لا يمكن عبوره إلا
بوساطة جسر معلق من الجبال البالية، مهدد بالانهيار في أي لحظة.
بكثير من الهدوء، سار “تتسويا” حتى منتصف الجسر، الذي راح
يتأرجح بخطورة، أحني رأسه لشيء ما يقع في الجانب الآخر، ذخر
القوس كما فعل الغريب تماماً، ورفعها، ثم جلبها إلى مستوى
صدره، ورمی..
رأى الصبي والغريب أن السهم ثقب ثمرة دراق ناضجة، على
مسافة عشرين متراً.
لقد ثقبت أنت ثمرة كرز، وثقبت أنا ثمرة دراق، قال “تتسويا”،
وهو يستعيد الأمان الذي توفره الضفة. ثمرة الكرز أصغر. لقد
أصبت هدفاً على مسافة أربعين متراً، فيما أصبتُ أنا هدفاً
نصف هذه المسافة. سيكون بمقدورك إذن، أن تكرر ما فعلته أنا
للتو. قف هناك في منتصف الجسر وافعل كما فعلت..
مرعوبا، شق الغريب طريقه حتى منتصف الجسر المتداعي،
تشله الهوة السحيقة الواقعة تحت قدميه. أدى الإيماءات الطقوسية
نفسها ورمی باتجاه شجرة الدراق، لكن السهم أخطأها وتخطاها.
عندما عاد إلى الضفة، كان شاحبا كالأموات.
قال “تتسويا” لديك البراعة، والجلال، والوضعية، وأضاف: لديك
معرفة جيدة بالتقنية وقد أتقنت التعامل مع القوس، لكنك لم تتقن
التحكم في ذهنك. أنت تعرف كيف ترمي عندما تكون الظروف
كلها ملائمة، لكن إذا كنت على أرض خطرة، لن تستطيع إصابة
الهدف. لا يسع رامي السهام اختيار أرض المعركة، لذلك، ابدأ تدريبك
ثانية وكن جاهزا لمواقف غير ملائمة. تابع على طريق القوس، فهي
رحلة حياة بأكملها، لكن تذكر أن رمية جيدة وصائبة تختلف
كثيرا عن رمية تحققها بروح تطفح بالسلام.”
التعليقات