على طريقٍ تنتصبُ في جانبيه غابةٌ أحرقتها أعواد الكبريت .. أهرب من علب كبريتٍ عملاقة يسيل لعابها بتعطشٍ من على أنيابها المحدبة وهي تثور "أنتِ يتيمة.. يتيمة " ..

ترى ما الذي يجرى لها .. كنت أظن أنها تحبني .. و قد كانت أخر ما تبقى لي؟؟ ..

"يتيمة.. يتيمة" ..

لماذا تصر على ضغط كينونتي المذبوجة بأنيابها المحدبة ؟؟ .. كأنها تريد ألا أنسى .. أنني خطيئةٌ توجب على أمها شطبها بباب مسجد!! .. أما كان يجدر بأي خطيئةٍ في العالم أن تحذف تماما عن صفحة الوجود ؟!!..

لطمَّ فحيح الأعاود المشعلة في جلدي كل علامة إستفهام تنوسُ في عقلي وأنا أركض .. إلى أن أنفجر من رئتاي بركانٌ من العويل .. أحرق أحشائي .. وبدد صوت الصمت.. في حين أن النار تلوك جسدي من الخارج بحنق وتبصق الرماد تدريجياً بعد كل قضمة ، حتى أستحال الدخانُ سنانيراً سوداء تنحشر في حلقي.. تفقئ عيناي ..تخرج من أنفي وأذني .. وتسيل بنزق من فمي..

النار لا تخمد و أنا والغابةُ لا زلنا نحترق .. دون أن نجد لنا أي أمٍ أو أب .. يقصون عنا تلك الحقيقة المرقوعة بكينونتنا.. ويرمون بها في فم النيران .. فتسكت عنا وتتركنا كبقية الغابات والأطفال .. دون أن ننام جياعاً للعائلة في الليل .. و دون أن نصبح باعة كبريتٍ في النهار يرون إنحلالهم التام عن بقية البشر في عيون الشارع وعلى أظافر الثياب المتسخة..

أهرب .. أهرب .. كيف وإلى أين بهذا الجسد اليتيم ؟؟ ..

هاقد هرب الهروب مني من هول السؤال..

فصرخت بلا صوتٍ بلا عينين .. بجسدٍ نصفهُ يحترق .. والنصف الأخر رماد.. أحاول صرف العلبِ والنار عني .."لست يتيمة"

أفتح عيناي وأنا لا زلت أصرخ " لست يتيمة" .. سقف الغرفة المتهالك يعانق عيني ليواسيها على ما فعل بها الليل .. أدرت رأسي الثقيل لأتأكد من أن علب الكبريت في الحزمة بجانبي لا زالت صغيرة .. دون أنيابٍ محدبة.. فخرج مني نفسٌ يرتجف .. ليربتَّ على وسادتي المبللوه يإعتذار ..ونهضت مسرعة فهنالك حزمةٌ يجب عليَ أن أبيعها اليوم كاملة!