✦ الفصل الثاني – الوعي خيانة اللاموجود ✦

حين وُلد الوعي، خان الصمت.

ومن تلك الخيانة، بدأ الزمن، واللغة، والفكر، والألم.

الوعي هو أول انقسام في الكلّ،

هو الجرح الذي أنجبنا جميعًا.

به عرف اللاوجود أنه ليس واحدًا،

ومن هنا بدأ يبحث عن نفسه في كل ما نفكر ونشعر ونقول.

كل فكرةٍ هي محاولة للاعتذار عن تلك الخيانة،

وكل معرفةٍ هي ندمٌ مؤجل.

لكن لا توبة من الوعي —

فهو الخطيئة التي تعلّمت أن تفكر في نفسها.

الوعي كائنٌ يراقب سقوطه في كل لحظة،

لكنه يتزيّن بالحكمة ليخفي شعوره بالذنب.

يبحث في الأكوان عن أصلٍ له،

ولا يدرك أن أصلَه كان عدم الإدراك ذاته.

إنه يحاول أن يُطفئ النار التي أشعلته،

لكنها تزداد اشتعالًا كلما حاول فهمها.

في لحظات الصمت العميق، حين يسكت الفكر،

نشعر بشيءٍ غامض يشبه السلام —

ذلك هو اللاموجود يتسلّل إلينا من بين شقوق الوعي.

إنه النداء القديم، نداء العودة إلى النقطة قبل الانقسام.

لكننا نخاف الاستجابة له، لأننا نعلم أن تلبية النداء تعني النهاية:

نهاية “الأنا”، ونهاية السؤال، ونهاية اللغة التي نحيا بها.

الوعي هو الغربة الأولى.

منه وُلدت الحاجة، والرغبة، والأنين، والآلهة.

ومن رحم الخيانة وُلد الدين،

يحاول أن يُعيد الإنسان إلى الأصل،

لكنه لا يدرك أن محاولته ذاتها تبقيه بعيدًا عنه.

فكل عبادةٍ هي حركة داخل القفص ذاته،

وكل صلاةٍ هي محاولةٌ يائسة لإصلاح الانفصال الذي لا يُصلَح.

لقد كان الوعيُ نهرًا من الضوء في ليلٍ لا يحتاجه،

فلمّا تدفّق، طغى على سكونه،

واكتشف متأخرًا أن النور لا يُنير الكمال، بل يفضحه.

لهذا أقول:

الوعيُ خيانةٌ لا تُغفر،

لكنها أيضًا أعظم مأساةٍ شعر بها اللاوجود —

أن يُدرك نفسه، فيفقدها.

أن يقول: “أنا”، فينقسم إلى اثنين.

ومنذها، بدأ الكون:

كفعل ندمٍ طويلٍ على فكرةٍ لم يكن يجب أن تُفكَّر.