إن من أكثر ما يُفكك العلاقات ويُفقدها تماسكها هو الإهمال، وليس هنالك علاقة واحدة نجت منه حين تسلل، فكل علاقة بشرية، مهما بلغت من العمق، تسقط إذا أهمل أحد طرفيها الآخر، وليس الإهمال مقتصرًا على العلاقات العاطفية كما يتوهم السذج، بل إنه أوسع من ذلك وأشمل، فهو يظهر في علاقة الأخ بأخته، والأب بابنه، والصديق بصديقه، وهو حين يتمادى، يخلق فجوة صامتة لا يراها الناس إلا بعد أن تتسع حتى تبتلع كل مودة كانت، فالقلوب لا تطيق التجاهل، والأرواح لا تعيش في غياب العناية، والروابط تفقد معناها إذا نُزِع عنها الاهتمام.
الأسرة المهملة تولد الغربة
في كثير من البيوت، يتحدث الآباء عن العقوق وهم لا يدركون أن أول عقوقٍ ظهر كان من جهتهم، فكم من ابنٍ جلس طويلاً في بيته ولم يُسأل عن حاله، وكم من بنتٍ كتمت دمعها لأن أمها مشغولة، والأب لا يرى إلا أوراق العمل ومشاكل الراتب، إن الغفلة عن مشاعر الأبناء جريمة لا تُعاقبها القوانين ولكن تعاقبها الحياة، إذ يدفع الآباء ثمنها حين يجدون أبناءهم متعلقين بمن هم خارج البيت أكثر من تعلقهم بمن فيه، ويشتكون بعدها من ضياع القيم، بينما الحقيقة أن القيم لم تضِع، بل أهملوها فذبلت!
الاهتمام ضرورة لا رفاهية
العلاقة لا تقوى بكثرة النصائح، ولا بطول الخطابات، وإنما بصدق الشعور، فحين يسأل الأب ابنه عن تفاصيل يومه، يشعر الابن بقيمته، وحين تتحدث الأم مع ابنتها عن اهتماماتها، تكتشف البنت أن بيتها يفهمها، لا تحتاج العائلة إلى خطب طويلة عن المحبة، بقدر ما تحتاج إلى لحظات صادقة من الإصغاء والاحترام، وحين يُهمل أحد أفراد العائلة، سيفتش عن بديل، وسيجده ولو كان هذا البديل في عالم لا يناسبه، وهنا تبدأ السلسلة التي لا تنتهي: بحث عن الحنان خارج البيت، وانجذاب للعلاقات السريعة، واعتماد عاطفي على شخص لا يملك مسؤولية ولا نضج، ثم انهيار يصعب إصلاحه، ولو وعى الناس أن الاهتمام ليس دلالاً بل أماناً، لأدركوا أن ما ينقذ علاقاتهم ليس الحب، بل المتابعة والحرص والوجود الحقيقي
التعليقات