🔴 غياب العقلانية وندرة المفكرين
التخلف ليس مجرد نقص في البنية التحتية أو في الثروات المادية، بل هو بالأساس غياب في البنية العقلية التي تدير تلك الثروات، حين تغيب العقلانية يصبح الموقف نتاج العاطفة لا نتيجة البرهان، ويصبح الانفعال هو المعيار في الحكم على القضايا، وحين يقل المفكرون يصبح المجتمع عاجزًا عن إنتاج أفكار جديدة قادرة على نقد الواقع أو تجاوزه، فيغدو التفكير النقدي مجرد ترف ثقافي لا حاجة إليه في نظر الغالبية، ومع مرور الزمن تتحول المواقف السائدة إلى حقائق مقدسة لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، فتتكرر الأخطاء نفسها وكأنها جزء من هوية المجتمع لا من تاريخه
🤎 هيمنة الغريزة وانغلاق الهوية
السلوك في المجتمعات المتخلفة تحكمه الغريزة أكثر مما يحكمه العقل، الفعل يسبق التفكير، والاندفاع يسبق المراجعة، والقرارات تتخذ كردود أفعال آنية لا كخطط مدروسة، ثم تأتي المبررات لاحقًا لتغطي على ما حدث، الانتماء في هذه الحالة لا يقوم على قيم مشتركة أو مشروع جامع، بل يقوم على عصبية ضيقة تحدد الموقف من خلال الهوية لا من خلال الحقيقة، فيصبح الحق حقًا إذا جاء من جماعتنا، والباطل باطلًا إذا صدر من غيرنا، حتى لو كان في مضمونه العكس تمامًا، ومع هذا الانغلاق يتحول الانتماء إلى أداة للصراع أكثر مما هو وسيلة للتعاون، وتصبح كل جماعة أسيرة صورتها عن ذاتها وأسيرة خصومتها مع غيرها.
🟡 سيطرة الماضي وذهنية القطيع
حين تتحكم الرجعية في الاتجاه الفكري، تتحول البوصلة إلى أداة تشير إلى الوراء باستمرار، الحاضر لا يُفهم إلا بإسقاط الماضي عليه، والمستقبل لا يُرسم إلا كصورة مكررة مما كان، هذا الميل إلى الماضوية يجعل أي محاولة للتجديد تواجه بالرفض بحجة الحفاظ على الأصالة، أما التفكير القطيعي فهو المكمل الطبيعي لهذه الحالة، إذ يُعفى الفرد من مسؤولية الرأي الشخصي ما دام هناك من يتولى التفكير نيابة عنه، سواء كان زعيمًا أو فقيهًا أو سلطة تقليدية، وفي ظل هذه الذهنية يصبح الاجتهاد الفردي خطرًا على النظام القائم، وتتحول الوصاية الفكرية إلى أداة لحماية الجمود، وعندما يقترن ذلك باليقين المطلق، يغدو أي اختلاف ليس مجرد خطأ بل تهديدًا يجب إقصاؤه، فهل يمكن لمجتمع تُسيّره العاطفة أكثر من العقل، وتحكمه الغريزة أكثر من البصيرة، ويقوده الماضي أكثر من الحاضر، أن ينتج مستقبلًا مختلفًا عمّا كان؟
التعليقات