من الأشياء التي نتعرض لها أثناء مناقشة بعضنا البعض هي الوصول إلى نقطة الاختلاف ولكن يطلق عليها البعض الخلاف ومنها خرجنا بالمثل الشعبي "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية." ولكن كيف نصل إلى هذه النقطة هل باختيار الأشخاص الذين نتجادل معهم؛كما قال أرسطو "لا تتجادل مع أي شخص كان، ولكن فقط مع أناس تعرفهم وتعلم أنهم عقلاء كفاية" فهل الحل يكمن في اختيار الأشخاص الذين نتجادل معهم ونناقشهم لأن هدفنا في البداية هو تبادل الآراء ومعرفة شيء جديد. بالنسبة لي أطبق هذه المقولة في الكثير من الأحيان فلدي مجموعة أصدقاء مختلفة ومتنوعة فأناقش مع هذه المجموعة الأفكار التي تخص الكتب الفلسفية وهذه مجموعة أناقش معها ما يحدث في المجتمع للبحث عن حلول فعالة في معضلة ما، فاختار بعناية من أتناقش معه بداية من مدى اهتمامه بالموضوع المطروح ومدى خبرته ومعلوماته وأخيرا مدى قابليته للنقاش البناء الذي يثري ويضيف لكل منا، وأتجنب بشكل واضح من لا يهتم بالموضوع لأن هذا حقه فلماذا أناقش شخصا ما عن البناء الدرامي لشخصيات نجيب محفوظ في الثلاثية وهو غير مهتم بالقراءة؟ أو مهتم بالقراءة ولكنه لا يفضل نجيب محفوظ بالأساس! فهنا سيكون الجدال عبارة عن تضيع وقتا له في المقام الأول ولي أيضا، لذا؛ اختيار من نتجادل معهم له عامل مهم في الوصول إلى الهدف والغاية من الموضوع والنقاش ككل. فماذا عنكم؟
كيف نختار الأشخاص الذين نتجادل معهم؟
"لا تتجادل مع أي شخص كان، ولكن فقط مع أناس تعرفهم وتعلم أنهم عقلاء كفاية"
أنا أتفق جدًا مع هذه الجملة وتقريبًا أطبق نفس كلامك في المساهمة، ولكن هناك نقطة تثير انتباهي دائمًا، وهي أنه قد لا تجد دائمًا فكرة الموضوعية في النقاشات، فتضطر للصمت في بعض المواقف أو تجنب المناقشات من الأساس، وهنا يؤخذ عليك أنك لا تمتلك رأيًا، أو ان الرأي الخاص بك غير واقعي بالنسبة لهم، لذا بالنسبة لي، أضطر أن أقول رأيي في بعض المواقف بشيء من الدفاعية، ليس من موقف ضعف، ولكن لأن من تحاورهم لا يريدون تقبّل رأيك من الأساس ومنحازين لأفكارهم فقط، لذا ما الأسلوب المناسب من وجهة نظرك في هذه المواقف؟
في مشهد من فيلم قال أكبرهم سنا حينما سألوه عن توقفه عن ابداء رأيه قال" لأن رأي سيجمع ما بين السخرية وعدم الاهتمام." هذا ما أقوله صراحة لو اضطررت أن أخوض نقاش لست راغبا فيه وأقول بوضوح ليس رأي في هذا الأمر فأتجنب ما ليس لي به شأن أو لأن من يتحاورون رأيت في رأيهم أنهم يتجادلون فقط ليس لهدف ولكن لتمضية الوقت وهذا يحدث كثيرا، لذا التجنب والوضوح في عدم قول رأي أفضل بكثير من الدخول في النقاش بالدفاع.
بصراحة بمرور الوقت أصبحت أجد نفسي أحاول تفادي الجدال الغير مجدي في معظم الأحيان وعندما أتذكر نفسي منذ سنوات حيث كنت أتناقش مع الجميع بشأن كل شيء وأتجادل معهم ولا أمل أستغرب هذا كثيرًا الحقيقة، أعتقد أنني مع الوقت أصبحت أفضل راحة البال والسلام النفسي على للفوز بالنقاشات والجدال الذي لا طائل من وراءه ولا أعلم إذا كان هذا أمر له علاقة بالنضج مثلًا أم له علاقة بكون المجتمع أصبح جو النقاشات به toxic كما يقولون.
ولا أعلم إذا كان هذا أمر له علاقة بالنضج مثلًا أم له علاقة بكون المجتمع أصبح جو النقاشات به toxic كما يقولون.
اعتقد ان له علاقة واضحة بالنضج، الذي يجعلك تختار وتعلم اي الاشياء والمواضيع التي تريد أن تتناقش فيها وتقول رأيك ما دام يقدم جديدا ونفس الوقت على أن الناس أنفسهم عندهم القابلية للتفكير في رأيك وأخذه على الجد وليس السخرية أو النقد لمجرد النقد.
لكن ألا تجد في هذا هروب من المواجهة واستسلام للواقع فبعض الناس قد تغيرهم هذه النقاشات وبعضهم يبدؤون النقاش بمواقف غير قابلة للتزحزح ثم يبدؤا في فهم الطرف الآخر بل والبعض قد يغير قناعاته تمامًا وقد وجدت هذا حقيقيًا جدًا في مواقف اليهود الغربيين مثلًا مما يحدث في غزة الآن، فكلهم تقريبا تربوا على عقلية منغلقة جدًا فيما يتعلق بهذه القضية وأفكار أقرب للعنصرية لكن التحاور والنقاش وعرض الأفكار حتى على هؤلاء أدى إلى ان الكثير يغيرون أراءهم بل وحتى جنود سابقين في جيش الاحتلال تجدهم ينقلبون على كل ما سبق من حياتهم، وأجزم لك ان هؤلاء لو كنا نحن من تحدث معهم في مراحل تغيرهم المبكرة لكنا فقدنا الأمل ولم نحاول.
أهم عامل برأيي، هو التواصل الفعال، وأراه يأتي قبل الخبرة أيضا، لأن حتى لو الشخص لديه الخبرة ولا يمتلك التواصل الفعال، فقد نتناقش حتى الصباح دون جدوى، فيجب أن يكو ن الطرف الآخر مستعد للاستماع ويعي تماما ما أقول ويفهمه، ويتمكن من الرد بطريقة واضحة وبشكل بناء للحوار والنقاش، وعدم التمسك بالرأي بغض النظر عن الحقائق أو الحجج المقدمة.
لكن التواصل الفعال هو مهارة ليست متوفرة لدى الجميع، وهذه هي المشكلة التي تحول النقاش إلى جدال ثم صراع، لذلك هناك مهارة أعتقد أنها تأتي قبل التواصل الفعال، وهي القدرة على قراءة المشاعر أو ما يُعرف بالذكاء العاطفي، أي أنني أعرف مشاعري الآن جيدًا وأتفهم الموقف وفي نفس الوقت أعرف كيف أٌدير الحوار من خلال فهم مشاعر الآخر أيضًا.
ولا حتى الذكاء العاطفي متوفر عند الجميع، نحن نتحدث لو لدينا إمكانية الاختيار والتي قد لا تكون واردة في بعض الحالات.
أما عن أولوية المهارتين، فقد يكون التواصل الفعال ذات أولوية عن الذكاء العاطفي إن كان النقاش علمي يتطلب نقل معلومات بوضوح، ويمكن أن يكون الذكاء العاطفي أهم لو النقاش متعلق بالعلاقات الشخصية والتفاعلات الاجتماعية
هو سؤال واحد أسأله لنفسي حين أكون بصدد الجدال مع شخص ما وهو: "لماذا يود هيا الشخص الجدال؟" أو "ما هدفه الشخصي من هذا؟"
إذا تأكدت أن الهدف هو إثبات وجهة نظره دون أن يلقي بالًا للاستفادة من الحوار، فهذه معركة خاسرة، لأني لا أحتاج إلى إثبات شيء لأحد وبالتالي أنا لا أريد الجدال مع شخص يحاول أن يثبت شيئا لي. هذا الهدف من الحوار يكون ظاهرًا جدًا ومن السهل كشفه وبالنسبة لي لحظة الاكتشاف تلك هي ما تحسم قرار الاستمرار بالجدال أو إعطاء الشخص ما يريده بقولي: "امم نعم معك كل الحق."
أعتقد أن الحوار بدون محاولة اثبات وجهة النظر لا قيمة له وإذا كان الشخص الآخر بالنقاش لا يقدر على الدفاع عن وجهة نظره فهذه مشكلته في النهاية، ولا أجد أن هذه هي المشكلة لكن المشكلة في عدم الاستماع للآخر من الأساس أو عدم التفاعل معه في النقاش بشكل منطقي من ناحية ومن ناحية أخرى عدم تقبل أن تكون نتيجة النقاش مخالفة لهوى الشخص فقد يظل الطرف الآخر مقتنع برأيه على سبيل المثال وهذا لا مشكلة به إلا عند من لا يملكوا ثقافة حوار جيدة.
هذا ما أعنيه. يحاول أن يثبت نفسه بالأحرى لا أن يثبت وجهة نظره. هذا ما يجعلني أكره المناظرات كرها أعمى. مجرد اثنان يحاولان القتال بالكلام عوضا عن السيف.
وهذا لا مشكلة به إلا عند من لا يملكوا ثقافة حوار جيدة.
ومن قال إن الحوار يجب أن ينتهي بتغيير أحد الأطراف لوجهة نظره؟ ليس شرطًا. محوري هنا هي القيمة التي هو على استعداد لكسبها. وإذا حاولنا في سبيل ذلك ولم يفلح الأمر فلا مشكلة. كان حوارًا راقيًا وهذا يكفي.
للأسف في الكثير من الأحيان لا يُتاح لنا اختيار من نتجادل معهم على حد قولك، فقد تجبرنا الحياة على الدخول في نقاش مع أشخاص ليسوا على علم كافِ بقواعد وأخلاقيات النقاش التي تحث الفرد على تقبل الرأي الآخر وإبداء الرأي بشكل متحضر.
لذا أحاول دائمًا في أي جدال إيجاد نقطة الاتفاق أو المبدأ الذي أتفق فيه مع الطرف الآخر وأتطرق إليه، فبعد إبداء رأيي كاملًا أوضح للطرف الآخر النقطة التي أؤيده فيها مع ذكر سبب تأييدي لها، وهذا يعطي يعطيه انطباع بأنني لدي هدف واضح وهو الوصول إلى الحل المنطقي للموضوع وليس مجرد إثبات أنني على حق وأنه على باطل، وهذا الأمر من شأنه أن يحد من الخلاف ويجعل الحوار يسير بشكل هادئ ومتحضر للوصول إلى الهدف المنشود في نهايته.
لذا أحاول دائمًا في أي جدال إيجاد نقطة الاتفاق أو المبدأ الذي أتفق فيه مع الطرف الآخر وأتطرق إليه،
بالتأكيد هذا يجعل النقاش مفيد وفي نفس الوقت حيادي للوصول إلى هدف النقاش نفسه، في أوقات كثيرة أردد حتى قبل قول رأي أن هذا رأي الشخصي في هذا الموضوع من حقك ان تختلف معي فيه أو ترفضه ولكن تذكر أنه رأي وليس مبدأ في الحياة أو قانون، فهذا بدوره يقلل الحدية في النقاش ويفتح أفاقا جديدا أثناء الحوار.
التعليقات