"إن أزمة الإنسان في كل مكان وعصر، تُوَلِّد مفهوما جديدا عنه".. هذا ما لاحظه المؤرخ الفرنسي پول هازار، فمنذ أرسطو ومحاولات تحديد الصفة المميزة للإنسان بكل عصر لم تتوقف قط، فأُطلِق عليه حيوان ناطق، ومفكر، ومبدع، وإجتماعي، وسياسي، وحتى ضاحك!.. فكلما تطورت الحضارة، كلما ارتفعت التوقعات بشأن القدرات الإنسانية المصاحبة لها..

فمثلا حينما سيطرت الخرافات الميتافيزيقية على مواطني الحضارة اليونانية القديمة، استشعر مفكروها وعلى رأسهم أرسطو، أهمية إعمال العقل والإعلاء من قيمة الإنسان بوصفه " كائن مُفكر" بالمقام الأول..

فماذا لو تأملنا حضارتنا الإنسانية المعاصرة.. هل يمكننا تحديد هكذا صفة تمكن الإنسان المعاصر من عيش حياة متوازنة؟!

بالنسبة لي، أرى أن أهم صفة يجب أن يتحلى بها الإنسان لمواكبة هذه الحضارة، هي "الإنفتاح الفكري".. فكلما كان الإنسان المعاصر منفتحا بوعي على إنجازات وثقافات غيره سواء السابقة، أو اللاحقة بوجه خاص، كلما تمكن من تطوير وإثراء حياته الخاصة..

فمثلا إنسان عربي نشأ وترعرع ضمن ظروف ثقافية وتربوية وتعليمية متواضعة، ومن ثم أراد الدخول لسوق العمل الحر تحديدا، فسيكتشف حينها أنه لا يمتلك من وسائل النجاح إلا القليل.. وسيُصدَم كلما تعرف أكثر على إمكانات العالم الإفتراضي شبه المتكامل، الذي أصبح مجبر على التعامل معه وإستيعابه.. بداية من إجراء إجتماعات إفتراضية حول العالم، وتجربة عالم الميتاڤيرس، وإستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي المتلاحقة، وصولا لإستخدام العملات المشفرة لشراء لوحات NTF الرقمية!!

فكيف لذلك الإنسان الذي اعتاد الحياة الإجتماعية الواقعية، وكل ما تحويه من صخب وتفاعلات إنسانية مباشرة، كيف له أن يتحول إلى ذلك الكائن الإفتراضي؟! وهنا تتضح أهمية الإنفتاح الفكري؛ فلو لم يتحلى ذلك الإنسان بقدر من الإنفتاح والمرونة لما أمكنه التأقلم مع تلك الحياة الجديدة كليا، ولما تمكن من صنع عالمه الخاص الناتج عن ذلك التفاعل الثقافي!

برأيكم ما هو التعريف الأنسب، أو الصفة الأبرز التي يمكن أن تميز الإنسان المعاصر؟.. وهل استطعتم التحول لكائنات إفتراضية، أم مازلتم تحاولون التأقلم؟!