هل سمعتم عن معضلة: الدجاجة أولاً أم البيضة؟ تلك المعضلة هي بعينها عنوان مساهمتنا. فلو أمعنا النظر فيما حولنا من الأشياء في العالم الخارجي لوجدناها تقع إما في إطار العالم المادي (Material) أو في إطار الروحي الفكري (Spiritual). والمادي من الأشياء والظواهر هو ما يوجد موضوعياً (Objectively) أي مستقل وخارج عن إدراك الإنسان. فلك أن تتصور العالم بدون إنسان ( أي فكر و إحساسات وعواطف و انفعالات...إلخ) وما يتبقى من حوادث في الأرض و السماء فهو يقع في إطار المادي.

وعلى النقيض، كل ما يتولًد عن وعي الإنسان من أفكار وإحساسات وعواطف يقع في إطار الفكري أو الروحي أو العقلي كما يحلو لك من تسمية. ولك أن تسأل: لماذا ارتبط الروحي بالإنسان دون من دونه من رتب الحيوان؟! والجوب لأنه ليس هنالك أرقى من الإنسان فكراً أو وعياً في الكون؛ فكل الكون جمادُ وليس فيه من مظهر واعي روحي أشرف من الإنسان، كما قال الشاعر:

وتحسب أنك جرمُ صغير وفيك انطوى العالم الأكبرُ

فلا ذرة منك إلا غدت بها يوزن الكون بل أكثر

فأنت الوجود وكل الوجود وما في وجودك لا يُحصر

ولكن ما علاقة الوعي بالمادة؟ هل أحدهما أفضى إلى الآخر؟ إن صفة العلاقة بينهما هي قوام قضية الفلسفة الرئيسية. فأيهما كان في بادئ الأمر؟ المادة أم الوعي؟ البيضة أم الدجاجة؟ والفلاسفة القائلون بأسبقية المادة وأنها أنشأت الوعي أو العقل هم الماديون (Materialists). فالمادة عندهم سرمدية لا بدء لها ولا انتهاء ويرون أنً هذا الوعي المبثوث في الكون وعلى قمته الإنسان ناتج التطور التاريخي للمادة وخاصة لتطور جرم هائل التعقيد هو المخ البشري! أما الفلاسفة القائلون بأسبقية الوعي على المادة هم المثاليون (Idealists) وهما فريقان: المثاليون الذاتيون (Subjective Idealists) ويرون أن الوعي الإنساني هو الذي يخلع على الوجود وجوده؛ فالوجود ليس شيئاً إلا إذا ربطناه بفكرة أو عاطفة أو شعور إنساني أو قبضنا عليها بفكرنا. خير من يمثل ذلك المذهب الإنجليزي بريكلي بجملته الشهيرة: لكي يُوجد الموجود فلابد أن ُيدرك To exist is to be perceived. أما المثاليون الموضوعيون (Objective Idealists) فهم يعتقدون في قوة خارجة ومستقلة عن الوعي الإنساني أنشأت الوجود وخير من يمثلها الألماني هيجل فهو يعتقد في الروح الكلي أو الفكرة المطلقة The Absolute Idea

والآن يا أصدقاء: أي فلسفة هي الأصح والأقرب إلى روحك ولماذا؟