شفرة أوكام: كيف يمكننا أن نقنع الاخرين بأراءنا وأفكارنا؟

تذكّرني العقلية التي يعتمد عليها هذا المنهج بأحد أكثر المسابقات إبهارًا بالنسبة إليّ في صغري، وهي مسابقة شهيرة اسمها Fab Lab. تتمثّل هذه المسابقة في مجموعة من العروض التقديمية المتعلّقة بالعلوم التطبيقية، والتي من خلالها يمكن للمرشّح أن يعرض إحدى الأفكار العلمية الشهيرة، حتى وإن كانت من أساسيات العلوم كالجاذبية والطاقة وخلافه. لكن يتم ذلك بشرط، وهو الحد الزمني، حيث يُسمَح له بسرد الشرح من خلال وقت قصير دون أن يجتازه. إنها واحد من التقنيات التي يساعد التدرّب عليها على صقل متقن لمختلف قدراتنا، سواء على الفهم المعمّق أو عرض الأفكار.

نعم، وهذه هي الطريقة التي تعتمد اليوم بطريقة غير واعية في كل شيء، وبالتحديد في عالم التسويق، فإذا اردت أن تكون مسوقا جيدا لنفسك عليك أن تتقن جيد فنت التقليل من الكلمات.

اندهش من اولائك الذين يحبون تقديم انفسهم باستفاضة كبيرة ويتباهون بإسهاب بما يملكون من افكار وقدرات، لكن هؤولاء افسهم هم على الأغلب الأشخاص الذين إذا طلب منهم شرح مفصل أو اثبات قدراتهم بالفعل لن يستطعوا تقديم شيء بالفعل، وليس من الغريب ان تكون واحدة من اشهر عبار ات سقراط هي تكلم كي اراك، وفي الحقيقة احد أهم مضامين هذه العبارة هي تكلم كي ارى صمتك، أي أن ارى كيفية استعمالك لمساحات الصمت في كلامك، هل لذيك حقا تعابير يمكن ان تجر اذيال افكار اعمق أم أن كل تعبيرات تعكس قشورا لا معنى له.

في هذا السياق، أجد أن آلية تبسيط المهمّات تعدّ صورة منعكسة لهذا المنهج في العمل. يساعدنا تبسيط المهام بمختلف أنواعها على العديد من الأشياء، من أبرزها تقليل فترات المعالجة لهذه المهام، مع تقليل نسبة الخطأ أيضًا، بالإضافة إلى تعزيز الحالة النفسية التي لا تستشعر المزيد من الصعوبات كما هو الحال في المهمّات الكاملة. لذلك قد نستطيع تطبيق منهج أوكام من خلال تقسيم ذكي ومتقن للمهام.

بالفعل تكمل عبقرية اوكام في ما فشل فيه ديكارت وهي منهجة فكرة البساطة، وجعلها مسألة عملية ، لكن المشكلة يا صديقي علي هي أن الاستعمال الخاطئ لنصل اوكام هذا سوف يؤدي الى نتائج عكسية تماما، وسيقضي على الفكرة والنقاش حولها بشكل فضيع، لذلك أسأل :

في رأيك ماهي الحدود الفاصلة بين الفكرة الضرورية وغير الضروية وغير الضرورية ؟ وماهو البسيط والبساطة، فما يعد بسيط لعالم مثلا ليس بسيط لشخص عادي، وما هو بسيط لك قد لا يكون معقد بالنسبة لي، إذن ما معيار البساطة؟

فكما أوضحتي "نصل أوكامي مبدأ يعتمد على البساطة والجوهر" أي المباشرة والوضوح وهو ما لا يتبعه جوردان بيترسون في مناظراته. تابعت مناظرته مع جيجك وما لاحظته أنه يقول كل شيء ولا يقول شيء على الإطلاق، يلقي بمجموعة من المصطلحات المعقدة خلف بعضها والتي لا يوجد أي رابط بينها دون توضيح أو شرح، عندما يسأل يلتف حول الأسئلة وخطاباته مشحونة بالأحكام المسبقة والمسلمات دون محاولة للجدل الحقيقي. هذا بالنسبة للوضوح في حديثه، لكن أفهم مثالك لو بسبب قرأتي لكتابه المشهور 12 قاعدة للحياة،

لا اتحدث عن المحاضرات الإستثنائية كتلك التي اجراها مع جيجك، فتلك محاورة العصر ولا بد ان تكون بذلك الطول والاسهاب، لكني اتحدث عن المحاضرات العامة التي يلقيها في الجامعة، هي اقرب ما يكون اي محاضرات التنمية البشرية سيئة الصمعة وانا شخصيا لا اجدها جيدة على المستوى التخصصي، كما انها على المستوى العام تميل الى الشحن النفسي اكثر منها الى البحث الموضوعي وتحري الحقيقة والدقة، على العكس من ذلك مثلا نجد سلافوي جيجك كفيلسوف محنك لا يبدع فقط في التبسيط الاوكامي، بل يجعل الامور خارجة عن المألوف ومثيرة للدهشة اكثر، في الوقت الذي يلعب فيه بيترسون على استمالت الحس العاطفي والاندفاع الشعوري يعمل الاخر على إضاءة نقاط مسكوت عنها وزيادة التأمل في الامور.

ولا اقول بأن بيترسون فذ ولا مثيل له بل اقول انه ناجح على مستوى شد الانتباه والتأثير على الجماهير، وجزء من هذا راجع الى قدرته على انشاء جمل تسويقية بسيطة ومؤثرة" افرد ظهرك كركركند" وبالفعل هو يتمثل شخصية الكركند بامتياز ليس على مستوى جسماني فقط، بل على مستوى لغوي ايضا وهذا هو سر تأثيره، فهو بأمكانه ان يقنع جمهورا غفيرا عن موضوع يأخذ سنوات وعقود من البحث العلمي بمقولة لجاك لكان او كارل غوستاف يونغ او فرويد.. وهذا هراء في معظم الاحوال، فقد تتنعى الذهاب لمحاضرة له عن الحب في التحليل النفسي فيجيبك بأن الحب هي غريزة يجب تصعيدها على مرتبة الفن ويعطيك قولا اريك فروم وينهي الموضوع.

يلجأ الإنسان إلى الخطابات التحفيزية، جوردن بيترسون، روبرت كيوساكي، جيم رون، براين تريسي، جميعهم رجال بيض يقولون ما يريد الرجل الأبيض المحافظ سماعه. بيترسون مثلًا يحزن تدهور الإيمان الديني وروابط الأسرة التقليدية وهي فكرة تجد صدى واسع لها لدى الشباب الذين يشعرون بالغربة ويتوقون إلى نظرية تمكينية. بقية الأسماء رجال أعمال أثرياء وأظن أن سبب سلطة خطابهم ورغبة الناس في الاستماع لهم شيء بسيط، أنهم نجحوا في أن يكونوا أغنياء لذلك كلامهم فيه شيفرة النجاح والاستنارة والتفوق والثراء.

بالضبط، الكل يلجأ اليوم الى التحفيز، ومن شروط التحفيز الناجح الاختصار والمباشرة والانتقاء والبساطة، وهذا ما يفعه المذكورون اعلاه، كيف لشخص ان يشرح في ثوان ما يمكن ان ينفق الاخرون حياتهم كلها لدراسته كتخصص بزنس او ادارة اعمال، بكل بساطة يأتي كيوساكي في لحظة ليقول" لماذا عليا ان ادخر المال مادامت الدولة تطبعه كل يوم" جملة واحد تلخص عدة سنوات من البحث والعمل، لماذا؟ لأنه يعلم ان لو دخل في تفاصيل المال وشرحه بطريقة مفصلة واكادمية فلن ينتبه إليه احد اطلاقا وذلك لمعرفته بهذا👇

لكننا نعيش الآن في عالم "ما بعد الحقيقة" وهو مفهوم فلسفي جديد نسبيًا، العالم لم يعد يكترث للحقيقة، كل ما يتطلبه الأمر لتحصل على شعبية جديدة هو أن تقول كلام بسيط يحب الناس سماعه ويلامس عاطفتهم لا تفكيرهم النقدي يلامس مشاعرهم،

فالعميل لا يحتاج منك إلى وسائل إقناع أو إلى شفرة معينة، هو فقط يريد رؤية مشاريعك التي عملت عليها، هل أنت متقن لعملك وملتزم به، هل أنت صادق وأمين في التعامل معه، هذا ما يحتاجه العميل.

أما نصل أوكام فأظنه ناجعا في مناسبات الإلقاء أمام وسط كبير من الناس، والحضور، أما مستقل فأنت تتعامل مع شخص واحد وفي الغالب ستكونان خلف الشاشة.

لا اتفق معك اطلاقا ياصديقي عبد الوهاب، اظن ان مستقل او منصات العمل الحر هي اكثر ما تحتاج تطبيق نصل اوكام، فأنت ملزم بإقناع العميل في ضرف وجيز جدا وبعدد كلمات محدود جدا، ناهيك عن صعوبة لفت انتباهه نتيجة وجود عدد كبير من العروض وكمية منافسة عالية .