في محاضرة الثامنة صباحًا، كنا نغالب آثار النعاس، ونحن نستمع إلى أستاذنا يتحدث عن قصائد شعرية قديمة في بلاد الرافدين، (الإنسان المعذب) و(لأمجدن رب الحكمة). كان يحدثنا عن ما يعرف باسم (قضية شقاء البار). لم نكن ندرك ما يتحدث عنه بشكل كامل، وكل ما كان يعنينا هو أن تنتهي هذه المحاضرة.

في الامتحان الشفهي جاء سؤال أستاذي كما يلي: صح أم خطأ، من القصائد التي تحدثت عن قضية شقاء الإنسان البار (الإنسان المعذب) و(الفلاح الفصيح)؟ فكانت إجابتي سريعة (صح)، ولكن أستاذي أخبرني بعد الامتحان أن إجابتي كانت خاطئة، وسألني إن كنت أعرف الإجابة الصحيحة، فأخبرته (نعم) الإنسان المعذب ولأمجدن رب الحكمة، فسألني، لماذا إذن لم تجيبي؟ ولكن لساني قد انعقد، وخسرت درجتين من مجموع الدرجات العشر.

انقضت السنة الأولى للجامعة، وسرعان ما تفلتت بعدها سنوات الدراسة الجامعية كلها، ولكن لسبب ما ظل ذلك المشهد عالقًا في ذهني (المحاضرة، والأستاذ، والقصائد، والامتحان).

خرجت وزملائي لمواجهة الحياة العملية، وبدأت صورة العالم المثالي تنهار أمام عيني شيئًا فشيئًا.

أصحاب الطرق الملتوية يصلون إلى أهدافهم أسرع من أي شخص، في العمل -على سبيل المثال لا الحصر- ليس عليك أن تجتهد كثيرًا للحصول على الترقية، فقط المنافقون والمتحايلون يحصلون على الترقية بشكل أسرع إلا من رحم ربي.

بعد وفاة أحد أقاربي وجه لي ابنه سؤال، ألا ترين أن الفاسدين منعمون، ولا يعانون كما نعاني؟

أدركت أن سؤالًا كهذا كان نابعًا من حزنه، فحاولت تخفيف الأمر عليه، فأخبرته أن الحياة ليست أبدية، ربما هم منعمون الآن ولكن ذلك لن يدوم طويلًا، ومنذ ذلك الحين أدركت لِم، لَم يختفي المشهد من ذاكرتي، وأخشى أن أكون قد أخفقت في الإجابة عن السؤال كما أخفقت في الامتحان.