الله والنبوة
من أكثر القضايا التي غيرت وجه التاريخ هي وجود الديانات، من الهندوسية إلى الديانات الإبراهيمية، حيث شكلت وجه العالم عبر الصراعات الدينية والقبلية، من الفتوحات الإسلامية إلى الحروب الصليبية التي أدت إلى تطورات مختلفة. فكان النقاش غالباً حول هذه الديانات هو: هل الله موجود أم لا؟ فلم تكن معرفة مصداقية النبوة ذات أهمية إذا كان الله غير موجود، لذا لم يبد الكثيرون اهتماماً بدراسة تاريخ الأنبياء والرسل عبر التاريخ إذا كانوا في طريقهم للبحث عن الحقيقة.
رغم الفوضوية والانفعالية في هذا العالم، إلا أنك لن تستطيع نفي وجود الإله، لأنه لا يتدخل بحكمته في كل ما يخص البشر. فإننا لا نراه ولكن يمكننا الشعور بتأثيره. فكل شيء موجود اليوم له سبب، والعالم موجود إذاً له سبب غير مسبب ألا وهو الإله. لا أريد الإطالة في هذا الموضوع لأنه ليس ما أبغي نقاشه، بل ما أبغيه من هذه الكلمات هو معرفة مصداقية النبوة، حيث إن وجود إله لا يعني بالضرورة أنه أرسل أنبياء أو رسلاً أو مبشرين أو أي تسمية شملت هذا الاسم. فالإله كائن كامل كلي المعرفة والقوة، فهو لا يحتاج لأناس ناقصين يعبدونه، كما أنه يعرف الطبيعة البشرية الضعيفة التي تتمثل في عدم القدرة على المقاومة. والذي سيكون رد المؤمنين بالدين عليه أن ذلك من أجل اختبارنا، فمن الواضح أن الإله لا يحتاجنا فلماذا يختبرنا لدخول جنة أو نار وهو يعلم أننا أضعف من أن نقاوم؟
لذا فأرى أن للوجود هدفاً أسمى من أن نعبد بشكل أعمى، فلن يخلق الإله كل هذا الكون لنعبده فقط. فالدينانات التي نراها اليوم غالباً هي مجرد تصورات بشرية للإله، وهذا ما يؤكد وجود الإله لأننا استطعنا تخيل وجوده، لذا فهو موجود.
بالنسبة للانتقادات فهي غالباً ستتركز في نقطتين أساسيتين:
إذا لم يكن السبب من وجودنا هو العبادة، فلماذا وجدنا إذاً؟
لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بشكل دقيق بسبب عدم قدرة عقلنا الناقص على التفكير في أمر كامل، ولكن من الواضح أنه هدف أسمى من العبادة. فعبادتك لا تعني أنك شخص جيد، بل أنت إنسان خائف. لذا فالإله لن يكون هدفه هو أن نقدسه بشكل أعمى، بل أن نختبر ولكن بطريقة مختلفة وطريقة أسمى من الجنة والنار، ولا يمكنني التحديد على وجه الدقة لأنه كما قلت لا يمكن للعقل الناقص التفكير فيما هو كامل.
ما الذي ينفي أن كل الرسل والأنبياء وغيرهم كانوا من عند الإله؟
باختصار، لأنه من غير المنطقي أساساً أن يخلقنا لنعبده فقط، وإن اعتبرنا ذلك فلن يعتمد على أي بشر لتلقين رسالته، لأنه فضّل بضعة من البشر على غيرهم، وهذا قمة الظلم. وحتى لو عاش هؤلاء البشر الذين فضّلهم طوال حياتهم، فلا يمنع أنه دخل في حيز الظلم لأنهم أصبحوا متيقنين بالفعل من كل شيء، وهذا سيسهل عليهم معرفة الحق عكس غيرهم. كما أن من عاشوا في زمانهم هم من سيتأكدون من وجود الإله بسهولة أكبر لأنهم عاصروا هؤلاء الأنبياء ومعجزاتهم مثلاً. فالمؤمنون يرون أن إرسال الرسل كان رحمة للبشر لأن العقل لا يمكن أن يدرك كل ما يجب فعله، لذا فهم جسر بين فهمنا الناقص والحقيقة المطلقة. ولكن هذا غير منطقي فالإله الكامل لديه القدرة لايجاد حلول لا متناهية لإيصال ما يريده منا دون وسيط بشري. فالوسيط البشري مهما كان صالحاً وتوفرت فيه كل الصفات فسيبقى مصدر نزاع كحقيقة لا يمكن التأكد منها.
وقد رأى سبينوزا أن الإله لا يتدخل في الطبيعة لأنه هو ذاته نظامها الكامل، وهذا ما يجعل النبوة فكرة بشرية أكثر منها إلهية.
أعلم أنني لم أستطع أن أغطي كل المعلومات الواجب تغطيتها لتجنب الالتباس، ولكنني اعتبر ما كتبته مجرد بداية في محاولة أكبر، في محاولة لا تنتهي لفهم هذه الطبيعة. فبرغم عدم فهمنا لسبب وجودنا، فبحثنا عن المعنى وحده هو ما يمنحه معنى، وربما هو ما يبحث عنه الإله الحقيقي.
التعليقات