أشعر أن الفراغ الذي كان ينهشني من الداخل بدأ أخيرًا يمتلئ، ولو قليلاً.

كنت أظن أنني لا أستطيع الخروج من تلك الدائرة المظلمة التي كنت أدور فيها بين الوحدة والتفكير الزائد، لكن شيئًا ما تغيّر داخلي حين بدأت عملي الصغير.

صرت أخرج لأماكن لم أكن أتخيل أنني سأزورها يومًا، زرت العتبة والنزهة، ولففت الشوارع على قدميّ بحثًا عن شيء جديد، عن فكرة، عن خامة، عن حياة. كنت متعبة جسديًا، لكن قلبي كان هادئًا بطريقة غريبة، كأن التعب يُنقذني من نفسي.

العمل جعلني أنشغل، أنسى، أتوازن، أرى العالم من زاوية أخرى. حتى الكلية التي كنت أراها عبئًا صارت شيئًا مختلفًا. لم أعد أركّز على سلبياتها، ولا على ما يضايقني فيها، صرتُ أستيقظ وأفكر فقط: ما الذي تحتاجه الكلية اليوم؟ ماذا أفعل لأكون ناجحة؟

لم يعد لدي وقت كافٍ لأحزن، أو لأراجع كل ما لم يحدث كما أردت.

أدركت أن الحياة لا تنتظر من يطيل النظر إلى وجعه، وأن الانشغال ليس هروبًا دائمًا كما يظن البعض، بل نجاة مؤقتة حتى تقوى من جديد.

ملأتُ فراغي بالعمل، وملأتُ وحدتي بخطواتي، وأعتقد أنني للمرة الأولى منذ زمن… اعيش.

"ربما العمل ليس حبًّا في المال، بل محاولة صادقة للهروب من الفراغ."