تخيلوا أنني اليوم أقدّم في شيءٍ لم أتخيل يومًا أن أكون فيه. بعد النتيجة، وبعد ضياع كبير وخوف من التنسيق، ظهر أمامي خيار "كلية الطفولة المبكرة" بجامعة السادات. وبما أنني من المنوفية، فهي الأقرب لي. صدقًا شعرتُ بإحباط شديد حين ظهرت، كأنها لطمة غير متوقعة. قلت في نفسي: ما هذا؟ هل هذه نهايتي؟ كنتُ على وشك أن أتنازل وألتحق بأي كلية أو معهد آخر، رغم أنني لم أقتنع بهم قط.

لكنني لم أستسلم سريعًا. بحثت عن الكلية وأقسامها، فاكتشفت أنّ فيها مجالات جيدة، بعضها قريب من المجال الطبي الذي ظلّ حلمي الأكبر لسنوات طويلة. ومع ذلك، كالعادة، ليس كل شيء كما نتمنى. وجدت أنّ القسم الأقرب لقلبي (علوم الإعاقة) لا يوجد إلا بنظام كريدت في جامعة القاهرة فقط.

فكرت طويلًا… وحين كنت أقيم مؤقتًا عند خالتي في القاهرة، خطرت لي فكرة التحويل هنا من دون علم أهلي. ليس خوفًا من الرفض فقط، بل خوفًا من أن أعود لنقطة البداية: نفس البيئة التي أرهقتني، نفس الوجع الذي كسرني، نفس العائلة التي لا تسأل ولا تهتم. أعلم أن ما فعلته قد يُعتبر خطأ، لكنني أقسم أنّ كل ما أريده هو أن أعيش حياة طبيعية، مع أناس طبيعيين، يبادلونني بعض الاهتمام.

للمرة الأولى في حياتي، حين قضيت أيامي عند خالتي وأولادها، شعرتُ بالراحة والهدوء والحب. لأول مرة يسألني أحد: "ماذا تريدين أن تأكلي؟ إلى أين تحبين أن تذهبي؟ هل تحتاجين شيئًا؟" لأول مرة أخرج من البيت ولا يتوقف هاتفي عن الرنين والاطمئنان. رغم أنني هنا منذ أسبوع، إلا أنّ أهلي لم يتصلوا بي سوى مرة واحدة.

واليوم أستعد للعودة إلى المنوفية… لكن قلبي مثقل بالخوف. أخاف أن أواجه الواقع ذاته الذي هربت منه، أن يعود كل شيء كما كان. أخاف أن أفقد ذلك الشعور النادر بالاهتمام الذي وجدته مؤخرًا. وما يزيد خوفي أنّني لا أعلم حتى إن كان التحويل سيتقبّل أم لا. أخشى أن أعود خالية الوفاض، بلا قبول هنا ولا راحة هناك، عالقة بين خيارٍ لا أريده وواقعٍ لا يُحتمل.

أنا لا أطلب حياة مثالية. كل ما أطلبه حياة طبيعية، أن أشعر بأنني إنسانة لها قيمة، أن يكون لي مكان آمن، أن يُحبّني أحد بصدق. لا أريد أن أبقى في دائرة القسوة والخذلان والوجوه التي لا تفهم ولا تريد أن تفهم.

قد يكون الهروب في نظر البعض ضعفًا، لكنني أراه هذه المرة شجاعة. فأنا لم أعد أحتمل مزيدًا من الانكسارات.