لم يكن الهاتف الذكي مغرورًا... بل واثقًا. شاشته اللامعة، غلافه الأنيق، إشعاراته التي لا تهدأ… كل شيء فيه كان يصرخ: "أنا مركز العالم."

شعور بالأهمية، هو أول ما يُمسك صباحًا، وآخر ما يُترك قبل النوم. لا تكاد ثانية تمر دون أن يلمسه أحدهم… صور، رسائل، صوتيات، رموز تضحك وتبكي وتُشير وتغضب، مختزلا كل المشاعر.

وفي لحظة هدوء غير معتادة، وصلت رسالة. رقم بلا صورة. بلا اسم. سطر واحد فقط: "هل تفتقد الحديث؟ أنا ما عدت أعرف كيف أبدأ."

الهاتف توقف. ليس لأنه لا يستقبل رسائل غريبة… بل لأنه لم يتوقع أن تلمسه. في داخله آلاف الرسائل، لكن معظمها يبدأ بـ "هاي" وينتهي بـ لا شيء. ردود جاهزة، ملصقات مستهلكة، محادثات متقطعة كأنها نُسخت من سلسلة إعلانات. بدأ يستعرض الذاكرة… سجلات كاملة بلا روح. نقاشات لم تُكمل، صداقات بدأت وانتهت في نفس اليوم، عبارات بلا معنى أُرسلت فقط لقتل الصمت. وفجأة، شعر بشيء يشبه الوحدة. هو، الهاتف الذكي، أكثر من استُخدم… لكنه لم يكن يومًا مَقصودًا بذاته. لا أحد أمسكه ليحكي له، بل ليهرب عبره. قال في نفسه: أنا ممتلئ بالكلمات… لكن لا أحد يتكلّم." أنا مليء بالأصوات… لكن لا أحد يُصغي." للمرة الأولى، تمنّى لو أنه كان مجرد هاتف قديم، يُرفع فقط لقول: "ألو؟ كيف حالك؟"