طفل يُنتشل من تحت الأنقاض، أمّ تحتضن جثة ابنها، أب يدفن عائلته بيديه، بيت يُقصف، مبانٍ تنهار، وأطفال يموتون جوعًا...
هل تمر هذه المقاطع أمامنا كأي فيديو آخر؟
كيف أصبحنا نشاهد هذه المشاهد دون أن ينكسر فينا شيء؟ دون أن يرتجف القلب؟
هل تأقلمنا مع الألم؟ هل استهلكنا الحزن حتى لم نعد نشعر به؟
**
ذات يوم، وبينما كنت في طريقي إلى حلقة تحفيظ القرآن في المسجد القريب من منزلنا رأيت رجلين يجلسان أمام أحد البيوت
كان أحدهما معروفًا في المدينة بأنه من كبار المشايخ يُشار إليه بالبنان. أما الآخر فكان من عامة الناس يبدو بسيطًا، عاديًا
سمعت الرجل البسيط يقول:
– هل رأيت ما يحدث في غزة؟ الناس تموت جوعًا!
وقبل أن يُكمل قاطعه الشيخ قائلاً ببرود:
– يكفينا ما نحن فيه من ألم أرجوك لا تكمل هذه القصص لقد اعتدنا سماعها. والآن اعذرني لدي مشاغل أهم بكثير مما يحدث في غزة...
**
كلماته نزلت على قلبي كالنار احترقت بداخلي وتمزق عقلي من السؤال:
هل انعدمت المشاعر الإنسانية حقًا؟
كيف يمكن لرجل عاقل متدين يُشار إليه كقدوة... أن يتبلد بهذا الشكل؟!
**
دخلت المسجد وجلست في مكاني لكن صوت أنين خافت شدني
كانت فتاة صغيرة، لم تتجاوز الخامسة عشرة تتجه نحو المعلمة والدموع تملأ عينيها
قالت بصوت مكسور:
– إلى متى؟! إلى متى سينتهي الظلم في غزة؟
قلبي يتقطع عليهم... ماذا أفعل يا آنستي؟ أشعر بالعجز ولا أستطيع تقديم شيء!
نظرت إليها المعلمة وقالت:
– لا تحزني عليهم يا صغيرتي دعينا نحزن على أنفسنا
هم يتألمون ويصبرون وسيدخلون الجنة بإذن الله
أما نحن ماذا فعلنا لننال الجنة ، علينا بالدعاء فلا حول لنا ولا قوة
**
مشاعر كثيرة اجتاحتني
كيف لطفلة صغيرة أن تشعر بهذا الألم وتبكي بهذا الصدق بينما رجلٌ ناضج متعلم... يتحدث ببرود قاتل؟!
مفارقة موجعة!
**
لكن الأمر لا يقتصر على هذا الرجل...
كم من الناس يشاهدون مقاطع العذاب من غزة على هواتفهم ثم يكملون التصفح وكأن شيئًا لم يكن؟
يضحكون بعدها بثوانٍ أو يتجاوزون الفيديو كما يتجاوزون إعلانًا مملاً...
هل أصبحنا نمر على صور الجثث كما نمر على أخبار الطقس؟!
أكره هذا التبلد... لا أطالبهم أن ينقذوا أو يغيّروا فقط أريد القليل من الإحساس
أعلم أن المشاعر وحدها لا تُنقذ، لكنها على الأقل تعترف بالعجز
تشعرنا أننا ما زلنا بشرًا.
**
كلما رأيت طفلاً يبكي على أمه الميتة أحترق من الداخل
أحاول وصف الشعور ولا أجد حرفًا يليق
الحروف تعجز أمام هذا الألم
**
أسأل نفسي:
– هل كثرة الألم جعلتهم يعتادونه؟
– هل أصبح الحزن مجرّد تعبير آلي؟
– وكيف يشعر الإنسان عندما لا يشعر؟!
**
أشارككم هذه الحيرة هذا الخذلان هذا الرعب من قلوب متحجرة أصبحت تُخيف أكثر من الحروب والنار
برأيكم:
ما السبب وراء هذا التخدر العاطفي؟
وهل هذا الجمود مؤقت... أم أننا نشهد موتًا بطيئًا للمشاعر الإنسانية؟
التعليقات