في البداية، لم يفتح أحد الباب لي، لم تكن هناك موسيقى ترحيب، لا ابتسامة مجاملة، ولا حتى صينية قهوة على الطاولة. فقط نظرات تشبه تلك التي تُرمى على ضيف جاء بلا دعوة، لكنه للأسف يحمل بطاقة إقامة دائمة.

كنت أعلم أنني لست الخيار الأول، ولا الثاني، بل لعلني لست ضمن القائمة أصلًا، مجرّد فرضية اضطروا لقبولها تحت ضغط الظروف، كالطالب الذي يُجبر على دراسة تخصص لا يحبه، فيقنع نفسه أن الكيمياء ليست سيئة إلى هذا الحد، رغم أن كل الخلايا الحية تصرخ داخله: "اهرب".

لكنني لم أهرب. لأنني – ويا لسخافة هذا الواقع – لست شجرة لأظل ثابتًا، لكنني أيضًا لست طائرًا ليحلق، فالهجرة تتطلب جناحين، أو جواز سفر غير ممزق، أو وجهة واحدة فقط لا تهمس لك "ابقَ حيث أنت، نحن لا نريدك هنا أيضًا".

ثم تأتي لحظة الصفاء النفسي، حيث تجلس على حافة السرير وتتأمل الجدار، وتفكر: ماذا لو قرروا في أي لحظة الاستغناء عني؟ هل سأُسلّم بطاقة دخولي عند الباب؟ هل سيقولون لي "لقد كانت تجربة لطيفة، لكننا لا نحتاجك بعد الآن"، كما يُقال لمندوب مبيعات لم يحقق الأرقام المطلوبة؟ هل سأُطرد بأناقة أم يُسحب مني الكرسي وأنا ما زلت جالسًا عليه؟

وحين تُغلق كل الأبواب، لا خيار سوى أن تنظر إلى الجدار. بعضهم يقول: اكسر الجدار، لا تستسلم. لكنهم لا يخبرونك أن الجدار سميك، وأن مطرقة الإرادة غالبًا ما تُباع على الأرصفة في علب مكتوب عليها "منتج وهمي – للاستعمال الداخلي فقط".

ولأن الحياة تملك روح الفكاهة السوداء، تُشبّهك أحيانًا بالزائدة الدودية، موجود لكن بلا وظيفة واضحة. لا أحد يشعر بوجودك حتى تلتهب، عندها فقط يلاحظونك ويهرعون لاستئصالك. وهنا السؤال المصيري: هل الأفضل أن أُستأصل وأُرمى في سلة مهملات جراحية، أم أظل هناك، أتألم بصمت، لكن على الأقل… لا أحد يلمسني؟

هكذا أعيش. لا أنا باقٍ لأنني مرغوب، ولا راحل لأن الرحيل يحتاج خطة وتأشيرة خروج. مجرّد وجود يُدار بالقصور الذاتي. أحيانًا أشبه نكتة قيلت في جلسة رسمية، الجميع تجاهلها، لكن لا أحد نسيها. وجودي مثل خطأ مطبعي في عقد رسمي: لا يؤثر كثيرًا لكنه يزعج المحامي.

ومع كل هذا، أستمر. أتنفس، أرتب فراشي كل صباح، أُجامل من لا يود رؤيتي، وأبتسم في الصور العائلية. لا لأنني سعيد، بل لأن الكاميرا لا تلتقط الأصوات.

هل نختار البقاء لأننا نريد، أم لأن البدائل أكثر قسوة من الرفض نفسه؟