ما هي الطرق غير التقليدية التي يمكننا من خلالها تقديم المساعدة للآخرين؟

تحياتي لك لقد أظهرت بشكل رائع كيف يمكن للمساعدة أن تتجاوز الماديات لتلامس حياة الناس بشكل أعمق وأكثر استدامة فكرة تمكين الأفراد من خلال تعليمهم مهارات أو توفير الأدوات التي يحتاجونها هي بحد ذاتها ثورة في مفهوم المساعدة.

لكن ماذا عن الأشخاص المتواكلين الذين يرفضون أي مساعدة غير مادية؟ حتى لو وفرت لهم الأدوات أو الفرص، قد يختارون بيعها أو تجاهلها، معتمدين فقط على المساعدات السريعة.  

نحن في الشركة عندنا استلمنا مشروع من جهة بولندية مرموقة لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة في إيجاد فرص عمل مستدامة بدلا من المساعدة بشكل تقليدي، وبدلا من أن نبحث نحن لهم على وظيفة تقليدية قمنا بتحويل البرنامج إلى برنامج ريادة أعمال؛ علّمناهم الإدارة والتسويق وساعدناهم في تجهيز حزم الاستثمار كما أننا أيضا ساعدناهم في تطوير أفكارهم الريادية وتحويلها إلى مشاريع تكنولوجية قابلة للعمل والتجربة. وبهذا حاولنا ليس فقط تدريبهم أو إيجاد فرص لهم بل أيضا مساعدتهم على توظيف غيرهم والدخول بمشاريع مستدامة في السوق وبذلك يكونوا هم أيضا ساعدوا أناس آخرين في التوظيف والعمل.

اتفق معك جداً و يمكن للشراكات مع الشركات المحلية أن توفر فرص تدريب أو توظيف للمتدربين، كما يمكن توفير الأدوات والمعدات الضرورية لتوسيع المشاريع الصغيرة. من المهم أيضًا تعزيز التنوع والشمولية عبر دعم فئات مختلفة من المجتمع مثل النساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة فيمكن للمجتمعات أن تلعب دورًا محوريًا في خلق بيئة حاضنة للتعاون والمساعدة المتبادلة، مما يعزز من فرص النجاح على المدى الطويل.

من أساليب الدعم غير المباشر التي أراها فعالة جدًا هي توفير الوصول إلى ما يعتبر غالبًا كماليات، ولكنه في الحقيقة عنصر أساسي في جودة الحياة ودعم آدمية الإنسان. قد لا تبدو هذه الجوانب ضرورية في النظرة التقليدية للدعم، لكنها تلعب دورًا جوهريًا في بناء إنسان سويّ رغم الظروف غير المثالية.

الجهة التي أعمل معها تقدم ورشات فنية أسبوعية مجانية للأطفال المحرومين والمشردين، حيث نوفر لهم مساحة آمنة للتعبير عن أنفسهم من خلال الفن. في هذه الورش، يرسم الأطفال، يصنعون تحفًا فنية، ويمارسون مختلف أشكال الفنون بحرية، مما يمنحهم فرصة للابتكار والشعور بالإنجاز. نوفر لهم أساتذة مختصين في المجال، جميع الأدوات اللازمة، بالإضافة إلى بطاقات دخول مجانية للمتاحف والمسارح في مختلف أنحاء الوطن، بهدف تعريفهم بالعالم الثقافي ومنحهم تجارب تثري حياتهم.

صحيح أنه من منظور براغماتي، توفير الغذاء واللباس قد يبدو أولى، ولحسن الحظ كثير من الجمعيات تتخذ هذا النهج فهنالك اكتفاء فيه لكننا اخترنا التركيز على التربية الفنية وفتح هذا المجال أمام الأطفال ليعيشوا لحظات من الفرح والحرية بعيدا عن سرديات الطفل الفقير المسكين الذي ندعمه نحن بالمال لنشعر أننا افضل اخترنا أن ندعم جودة الحياة ونعزز الثقة بالنفس، بعيدا عن الظروف القاسية.

المساعدة غير التقليدية لا تعني بالضرورة بذل مجهود ضخم، لكنها تتطلب التفكير خارج الصندوق والتركيز على الحلول التي تمكن الشخص المحتاج بدلا من الاكتفاء بتقديم المساعدات المؤقتة

كحلول أخرى خارج الصندوق يمكن توفير الوصول الى الدعم النفسي , تسهيل الوصول إلى المساحات الترفيهية والرياضية,منح القدرة على الوصول الى استشارات مجانية من خبراء .

ما أود قوله هو أن رغبتنا في توفير أساسيات العيش الكريم للمحتاج لا يجب أن تعمينا عن فكرة كونه انسانا أيضا وله حاجيات أخرى.

المساعدة غير التقليدية، مثل تعليم المهارات أو توفير الأدوات، تُعد استثمارًا في تمكين الأفراد بدلًا من تقديم حلول مؤقتة. لكن تطبيقها يتطلب جهدًا أكبر وفهمًا دقيقًا لاحتياجات كل شخص. نجاحها يعتمد على التخطيط الجيد والتعاون بين الأفراد والمؤسسات، مع ضرورة توعية المجتمع بأهمية هذا النهج. رغم التحديات، فإن أثرها طويل الأمد يجعلها جديرة بالاهتمام.

يمكننا تقديم المساعدة للآخرين بطرق غير تقليدية من خلال استغلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقمية لتقديم استشارات مخصصة، على سبيل المثال يمكننا تطوير تطبيقات تساعد الأشخاص في اتخاذ قرارات حياتية أو مهنية بناءً على بيانات شخصية، أو إنشاء برامج موجهة للمساعدة في تنمية الذات من خلال التوجيه الذكي، وكذلك يمكننا إطلاق منصات لتبادل المهارات حيث يمكن لكل شخص تعليم الآخرين مهارة معينة مقابل تعلم مهارة أخرى، مما يخلق نظامًا من التعاون والمساعدة المتبادلة بين الأفراد في مجالات متنوعة، وبذلك نكون قد حولنا المساعدة إلى فرصة تفاعلية ومستمرة.

المساعدة التي تغيّر الحياة ليست دائمًا تلك التي تُمنح في لحظة احتياج، بل تلك التي تمنح الإنسان القدرة على الاستمرار بنفسه. الفرق بين العطاء التقليدي والتمكين يشبه الفرق بين إعطاء السمكة وتعليم الصيد، فالأولى تسد جوعًا مؤقتًا، بينما الثانية تخلق استقلالية تدوم. المشكلة أن الكثير من المبادرات الخيرية لا تزال محصورة في تقديم الحلول السريعة بدلًا من بناء الفرص. فهل يمكن أن نغير نظرتنا للمساعدة لتصبح استثمارًا في الإنسان بدلًا من مجرد إسعاف لحظي؟