بسم الله الرحمن الرحيم

عِلم الحُبّ والرِّضا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد

الحُبّ هو أن يحب المرء فقط وقد يحُبّ المرء الخُبث ولكنّه لا يرضاه وقد يحُبّ الظلم ولكنه لا يرضاه وقد يحُبّ إيذاء الآخرين وظلمهم ولكنه لا يرضاه سواءً لنفسه أو للآخرين ولكنه قد اُبتليَ بهذه الأمراض التي قد يقول عنها الناس والطب النفسي بأنها أمراض نفسيَّة ولكنها في الواقع أمراض جسديّة ونفسيَّة معاً فإن تعالَج منها المرء نفسيَّاً فإنّه يتعالج منها جسديّاً تلقائيّاً، وإن تعالَج منها جسديّاً فإنَّه يتعالَج منها نفسيَّاً تلقائيَّاً. كأن يتعالَج المرء نفسيَّاً من حُبّ شُرب الخمر الذي أتلف جسده وأضعفه وأمرضه فيبتعد تلقائيّاً عن شُرب الخمر رويداً رويداً حتى يرفضه بالكامل فيبدأ جسده بالتعافي والتعالج من سموم الخمر الذي كان يشربه فيعود صحيحاً مُتعافياً بالكامل، وكأن يتعالج المرء من تشوّه خُلقي سواءً كان لديه بالولادة او بحادثٍ ما فأفسد عليه نفسيّته وأشعره مراراً بالإذلال والمهانة وجعله يحقُرُ نفسِه مراراً وتكراراً ولكنَّه وبعد أن أجرى عملية جراحيّة تجميليَّة وأزال التشوُّه الجسدي الذي كان فيه تعالَج تلقائياً من مشاعر الاحتقار لنفسه التي كان يكنّها لنفسه ولم يعد يزعجه أن يرى الناس ويروْنَهُ وانتهى بذلك مرضه وانتهت أزمته.

أما الرضى هو أن يرضى المرء عن شيء ولكنّه قد لا يحبُّه كأن يرضى الإنسان بظُلم أخيه الإنسان من غير وجه حق ولكنَّه لا يحبُّه وقد يزيد المرء في ظلمه للآخرين لأجل المناصب والرِفعة والترقيات والأموال وما إلى ذلك حتى يُصبِح ظلوماً يظلم لأجل نفسه ويزداد في طغيانه فيُصبِح ظلّاماً إضافةً إلى كوْنه ظلوماً فيظلم الناس لأجل الآخرين وليس لأجل نفسه حتّى وكأنه يتصدّق بظلمه على الآخرين ويُكرم به الظالمين ويُهين به المظلومين بقرارٍ منه أو بواسطةٍ منه أو باستشارةٍ منه أو بكرمٍ منه وما إلى ذلك من مظالم يندي لها الجبين، رغم إنه في الحقيقة لا يحبها، فيفقد ضميرَه ويقتله فيُفني ضميره حتى لا يبقى منه شيئاً فيظل مدهوشاً مكروباً لا يقوى على شيء سوى على العيش في الحُزن والهمّ.

أما الحُبّ والرِّضا فهو أن يحب المرء ويرضى في الوقت ذاته، والحُبّ والرضا لا يجتمعان في خبيث أبداً فلا يمكن أن يحب المرء ويرضى بخبيث أبداً وإن أحبّ ورضا المرء بالشرّ فيكون فعله للشرّ على حسَب قوانين كُلّ شيء وليس عل حسَب شرعه فقط الذي يتّبعه، ولو كان شرعه الوحيد هو الإسلام، فإنّه سيرفض فعل الخير لو شعر أن فيه شيء من الظلم له أو للآخرين ليثبت بذلك أنّه تقيّ حقيقي بقوانين وشرائع كُلّ شيء مجتمعة وإن لم يكن تقيّاً حقيقيّاً في الشرع الإسلامي ولكنه تقيّاً طبيعي في كُلّ شيء هذا ولله الحمد والمِنّة وللأقدَم الأقدَم المِنّة والحمد.