أهلا...

مقدمة

تخيل/ي معي هذا السيناريو السوداوي...

العديد من [الإناث] لم يكن بمقدورهن الاستمرار بالحمل للنهاية أو البقاء على قيد الحياة بعد الولادة إذا فعلن. عدد أكبر أيضاً من الإناث، حتى بعد الولادة بنجاح، يفشلن في وظائف الأمهات. بين الذكور، تراوحت الاضطرابات السلوكية من الانحراف الجنسي إلى أكل لحوم الجنس نفسه ومن النشاط المسعور إلى الانسحاب المرضي الذي يخرج فيه افراد المتجمع لتناول الطعام والشراب والتحرك عندما يكون أفراد المجتمع الآخرون نائمين فقط. أظهر التنظيم الاجتماعي اضطرابًا متساويًا... كانت الأفراد تتجمع معًا بأكبر عدد في واحد من المنازل الأربعة المتصلة ببعضها التي وُجدت فيها المستعمرة. يجتمع ما يصل إلى 60 من 80 فرد من كل مجموعة في منزل واحد خلال فترات التغذية. ونادرا ما تأكل الأفراد بشكل منعزل إلا برفقة أفراد آخرين. ونتيجة لذلك، تطورت الكثافة السكانية الشديدة في المنزل المستخدم لتناول الطعام، مما ترك المنازل الأخرى بأعداد سكان منخفضة. في خضم الحوض السلوكي* "behavioral sink"، ارتفع معدل وفيات الرضع إلى 96 في المائة بين أكثر المجموعات اضطراباً في السكان.»

حسنا هذا السيناريو لم يكن تخيليّ وقد حدث بالفعل، لا ليس في عالم موازٍ. حدث قبل سنين ولكنه ولله الحمد لم يكن في مجتمع من البشر وإنما في إطار تجربة لسلوك الحيوان قام بها John B. Calhoun . فبين عامي 1958 و 1962 وصف عالم السلوك الحيواني كالهون انهيار في السلوك قد ينتج بسبب الاكتظاظ السكانيّ وذلك بعد إجراءه لسلسلة من تجارب الإكتظاظ السكاني على الجرذان البنية. وهذا ما قد ورد في مقاله الذي نشره بعنوان "الكثافة السكانية وعلم الأمراض الاجتماعية" في مجلة Scientific American حول تجربته:

«العديد من [إناث الجرذان] لم يكن بمقدورهن الاستمرار بالحمل للنهاية أو البقاء على قيد الحياة بعد الولادة إذا فعلن. عدد أكبر أيضاً من إناث الجرذان، حتى بعد الولادة بنجاح، يفشلن في وظائف الأمهات. بين الذكور، تراوحت الاضطرابات السلوكية من الانحراف الجنسي إلى أكل لحوم الجنس نفسه ومن النشاط المسعور إلى الانسحاب المرضي الذي يخرج فيه الجرذان لتناول الطعام والشراب والتحرك عندما يكون أفراد المجتمع الآخرون نائمين فقط. أظهر التنظيم الاجتماعي للحيوانات اضطرابًا متساويًا...أصبح المصدر المشترك لهذه الاضطرابات أكثر وضوحًا في مجموعات سلسلتنا الأولى من التجارب الثلاث، حيث لاحظنا تطور ما أطلقنا عليه بالبالوعة السلوكية. كانت الجرذان تتجمع معًا بأكبر عدد في واحد من الأقفاص الأربعة المتصلة ببعضها التي وُجدت فيها المستعمرة. يجتمع ما يصل إلى 60 من 80 جرذان من كل مجموعة تجريبية في قفص واحد خلال فترات التغذية. ونادرا ما تأكل الجرذان بمفردها إلا برفقة جرذان أخرى. ونتيجة لذلك، تطورت الكثافة السكانية الشديدة في القفص المستخدم لتناول الطعام، مما ترك الأقفاص الأخرى بأعداد سكان منخفضة.... في التجارب التي تطور فيها الحوض السلوكي، ارتفع معدل وفيات الرضع إلى 96 في المائة بين أكثر المجموعات اضطراباً في السكان.»

تقاعد كالهون من المعهد الوطني للصحة العقلية في عام 1984، لكنه استمر في العمل على نتائج أبحاثه حتى وفاته في 7 سبتمبر 1995.

توصّل كالهون إلى ان النتائج المظلمة لتجاربه على الجرذان ماهي إلا نموذجا لما سوف تكون عليه مجتمعات الجنس البشري بسبب زيادة السكّان. وقد انبرى مصطلحين خلال تجارب كالهون؛ مصطلح "الإضمحلال السلوكي" والذي يصف السلوكيات الشاذة التي تحدث حينما يكون هناك إكتظاظ في السكان و مصطلح "الجميلون" والذي يعبّر بدوره عن الأفراد الخاملين المنسحبين من المجتمع.

وصف التجارب

كانت التجارب التي أجراها كالهون وزملاؤه تتمثل في إنشاء بيئات مثالية (يوتوبيا*) ومغلقة، خالية من خطر الإفتراس مع وصول غير محدود إلى الموارد الضرورية للحياة كالغذاء والماء. كانت الإختبارات الأولية عبارة عن وضع 32-56 حيوان في علبة ابعادها 10×15 قدم، حيث قام بتقسيم المساحة إلى غرف اربع. وقد تم تخصيص كل غرفة لتحتوي على عشران الجرذان النرويجية البنية البالغة. إن إنعدام وجود ما يهدد الحياة الحيوانات المفترسة والكوارث الطبيعة وتغيير درجة الحرارة وانتشار الأمراض فضلا عن توفر الغذاء والماء وإمكانية الوصول غير المحدود لها جعل من بيئة إجراء التجارب جنّة إن صح التعبير. بعد ذلك قام كلهون بإنشاء بيئة تحول دون موت الجرذان. وهي عبارة عن قفص بمساحة 101 بوصة مربعة مع موارد تدعم اي ارتفاع في الكثافة السكانية، مما دفع بهذه التجارب إلى اقصى حدودها. حيث بلغت اكثر تجربة شهرة بين تجاربه اكبر نسبة لعدد السكان 2200 فرد والتي افرزت سلوكيات منحرفة ومدمرة في كثير من الأحيان حيث ان بحلول اليوم 600 كان السكان في طريقهم إلى الإنقراض.

بغض النظر عن قابلية تطبيق هذه التجارب على المجتمعات البشرية إلا انه أمر مخيف حقا إن توفرت كل العوامل الضرورية لإزدهار البشر بدون اي وجود للرادع الديني و الأخلاقي .

التقرير التالي يظهر بعض من تجارب كالهون:

*يوتوبيا: هو اسم لمجتمع أخذ عن كتاب يوتوبيا, الذي كتبه سير توماس مور عام 1516 يصف فيه جزيرة خيالية في المحيط الأطلنطي، يتمتع كل شئ فيها بالمثالية.

المصادر: