ينتظرني السبت امتحان طويل، مادّته لا تنتهي وأفكاره لا تنضب، وأنا حتّى ذلك الحين بين نارين، بين أنّ أحلَّ أسئلة على ما أكملته من المادّة، وأدرس المادّة التي لم أدرسها بعد، وكلّ طالب علم يعرف ما أتكلَّم عنه، فشعور عدم معرفة سؤال من مقروئك السابق، وشعور بقاء مادّة طويلة تنتظرك، من أسوء المشاعر التي يُمكن أن تمرَّ بها في حياتك، ولا يتقدّمها إلّا شعور غانية تهجرك دلًا وتمنّعًا.
الأمر طبيعي، فإذا غدرت حسناء وفت بعهدها، لكنَّ هذا ليس مُرادي اليوم، فلأحاديث الشجون يوم آخر، أتحدَّث عما يمرُّ به الطلّاب قبل ليلة الأمتحان، هذا من الطبيعي أيضًا، وأحاول دائمًا أن أخرج من هذه الأيَّام بأقل الخسائر المُمكنة، وأفضل ما وجدّته هو أن اكتب خطّة لنفسي عمّا أحتاج أن أفعله في هذه الأوقات العصيبة، فالعقل أقرب لتطبيق الأمور التي حُدّدَت له مُسبقًا.
من يُحسن التعامل مع هذه الظروف يملك أفضلية كبيرة على أقرانه، لأنَّ الهلع هو الاعداد الافتراضي في هذه المواقف، قبل أيّام كنتُ أشاهد نهائي أستراليا للتنس، وقد كان رافائيل نادال في موقف حرج، متأخِّر بمجموعتين، وهو أكثر عدد من المجموعات يمكن أن تتأخَّر به قبل أن تخسر، والمنافس هو أفضل لاعب في البطولة، ونادال شيخٌ كبير، عائد من اصابة وقد كان يمشّي على عكّاز قبل شهور قليلة، كلّ شيء كان ضدّ نادال في تلك الليلة.
أعرف نادال، وأتابع مؤتمراته الصحفية كثيرًا، هو معلِّم قبل أن يكون لاعب تنس، هو أستاذ في التعامل مع الشكوك، ووصفته سهلة بسيطة التركيز على ما يُمكن أن يفعله الآن فقط، نادال ذهب إلى الاستراحة، وعاد بمظهر جديد، زاد من سرعة ضرباته، وفاز بمجموعة تلو الأخرى، وبعد مرور خمس ساعات ونصف، نادال كان قد أعتلى صدرَ منافسه، متوجًا باللقب، ومحققًا رقمًا قياسيًا يجعله أفضل لاعب في تاريخ التنس. سأتركُ لكم رابطًا في الهوامش عن هذه المباراة، وما يُمكن أن يُتعلَّم منها، والأمر لا يهمُّ متابعي الرياضة فقط! (1)
في كتابه The Power of Pressure تحدَّث دين جينسن عن التعامل مع هذه المواقف(2)، وممّا اقترحه في التعامل مع الشكوك والمواقف غير الأكيدة، هو أن تُركّز على الأكيد والمضمون، فلو كان لديك أمتحان صعب، فالذي يجب أن تُركّز عليه لتقلل الضغط ليس هذا الأمتحان، وإنما الأمور الأكيدة في حياتك حتّى وإن فشلتَ فيه، ستمتحن أمتحانًا جديدًا، ستبقى مُحاطًا بأهلك وأصدقائك، سيبقى روحك يصحب بدنك!
وأزيدُ على ما قاله الكاتب، هو أن نركّز على أنَّ الهلع من الشكوك لن يُقرّبنا من اليقين، هو لن يزيد الحالة إلّا سوءًا.
بالنسبة لي، أتعامل مع هذه المواقف بتذكير نفسي أنَّ الهلع لن يُجدي، وأنّي لو وجدتُ سؤالًا لم أعرفه عن مادة سابقة، ببساطة سأتعلّم فكرة السؤال، وأمضي للسؤال الذي بعده، ولو كانت لديَّ مادة طويلة سأقرأ ما يُمكنني منها، فما لا يُدرَك كُلّه لا يُترَك جُلّه، وهكذا أزيدُ فرصي بأن يأتي سؤال أعرفه، وتزيد فرصي بأن أبقى مُركّزا على أهمّ الأشياء لحين السبت.
كيف تتعاملون مع الشكوك؟ شكوك العمل وشكوك الدراسة؟ كيف تزيدون فرصكم بالحصول على نتائج جيّدة في مثل هذه المواقف؟
الهوامش:
1-https://twitter.com/RomeenS...
2-
3- الرسمة بعنوان Uncertainty by Frank Eber
التعليقات