إنها نفسها، تلك الطريق التي كنت لا أحب الذهاب فيها لوحدي و أبحث عن الأُنسة في زميلتي التي تجرحني و رغم ذلك أذهب معها حتى لا أبقى وحدي، إنها نفسها بطولها و بساطتها و تفردها، نفسها. هذا العام عندما لم أجد من يرافقني فهمت أنني ضيعت عاما كاملا لا أرى فيه جمالها لأنني انشغلت بأن لا أبقى وحيدة، فإذا بالوحدة أروع بكثير، و إذا بها نافذة لروحي جعلتني أعرف نفسي.

لا أنكر أنني أحيانا لا أطيق تلك الوحدة و أبحث عن صديقتي (و ليس زميلتي) فتؤنسني لأنني وقتها أحتاج لمن أحدثه كي لا أحدث نفسي، فأنا أعرف أن نهاية هذا الحديث الجنون.

و هذا اليوم يوم جديد سأسلك فيه نفس الطريق لأذهب إلى مدرستي، كم أحب مدرستي.

هل تحسدون من يملكون السيارة و تدخرون لشراء واحدة؟ أما أنا فإن كان لي أن أحسد، فسأحسد ذاك الذي يمشي الأميال وحيدا في طريق جميلة.

أما طريقي أنا، طريقي التي أسلكها للذهاب لثانويتي كعشرات الطلبة المنشغلين عن جمالها، فهي طريق ليست كالطريق.

ربع ساعة تكفيني لأرى جمال الكون كله منكبا في تلك الطريق، و كل يوم أراها بعين جديدة و لا أمل تأملها.

تلك القطة الجميلة التي تصادفني دائما نائمة تحت أشعة الشمس بوبرها البني، تموء غير عابئة بالدنيا، ما أجملها.

و تلك الطفلة التي تقطن هناك، بجمالها الطفولي و ضحكاتها البريئة، و مشيتها الموسيقية. ما أروعها و هي توقف الطالبات تعانقهن بقامتها القصيرة و يداها الصغيرتان. إن لم يكن الجمال في عيني الطفل و ضحكته فأين سيكون؟ ما أجملها.

و تلك الأشجار الخضراء الباسقة، بالذات تلك الشجرة التي تعانق السماء و تحتضن الأرض كأنها تحميها. إنها شامخة و أعلى من زميلاتها و رغم ذلك فهي منحية في تواضع لم يزدها إلا شموخا. ما أجملها.

و صف الأشجار الآخر على اليمين، ذلك المكان بالذات أحبه أكثر من أي شيء آخر. ببساطته الراقية، لونه الهادئ و تعانق أشجاره في دفئ أخوي تحاول أشعة الشمس في حياء التسلل بينها لعلها تحضى بذلك الحب الأبدي. ما أجمله.

بل حتى للمارة رونقهم الخاص، لكل ملامح مختلفة و قصة فريدة كتفرد بصماته كتبت في صفحات وجهه. ذلك العجوز بوجهه الهادئ، تجاعيده حيث رسمت الحياة ما شاء لها أن ترسم، واضح أن الابتسامة لم تفارق محياه فحتى و هو لا يبتسم وجهه يبتسم. ما أجمله.

و تلك الفتاة ما أجمل خالقها، لعينيها الخضرواتين سحر خاص تذوب فيه الكلمات، و الأخرى تمشي على استحياء فيعلو وجهها نور يجعله من أجمل الوجوه رغم بساطة قسماته. ما أجملهما.

لا، لا، لم أنسك، فأنت الأعز عندي لك كلماتك الخاصة أيها المطر. لست مجنونة عندما أحمل مظلتي في يدي و لا أستعملها، بل المجنون من يمنع عنه رحمة الله تغسل وجهه. فلذالك الرذاذ الخفيف وقع يطرب قلبي و ينقلني إلى عالم آخر. كأنه يدعوني إلى تلك الغيمة بل و كأني أركبها. ما أجمله.

هذه طريقي التي لا أمل تأملها كل مرة، فهل بعد كل هذا الجمال يتعجبون إذا ابتسمت و لا أحد بجواري، ألا يبعث كل هذا الجمال للابتسام تلقائيا؟