هل يمكن أن تسيطر علينا فكرة الوظيفة من جديد بعد سنوات من الآن؟!

نشأت نظرة الشباب للعمل الحر من خلال الأفكار غير الواقعية، حيث يظن الشاب أنه سيعمل كيفما يشاء وقتما شاء، وهذا ليس صحيحا تماما فأنت ملتزم بمواعيد معينة وعمل معين لابد من إنجازه، الفرق فقط انك اخترت هذا الوقت.

بالنسبة لي كان سبب دخولي لمجال العمل الحر هو إستغلال وقتي وموهبتي في الكتابة وليس الإستمتاع برفاهية العمل الحر كما يظن بعض الشباب الذين لم يخوضوا التجربة، فهو في النهاية عمل وليس مجرد رفاهية.

لذلك ينبغي على كل من يفكر في دخول هذا المجال أن ينظر للأمر بواقعية بعيدا عن التصورات الوردية التي تنتشر بين الشباب.

الأمر الأخر هو هل العمل الحر مناسب لنا أم لا، لا يشترط أن يكون العمل الحر مناسب لنا جميعا، أيضا فالوظيفة ليست بهذا السوء، الأمر نسبي

ما رأيك أنت؟

بالنسبة لي مقتنعة بفكرة العمل الحر، ولكن وفقًا للظروف المتاحة.

وتأتي هذه القناعة لأكثر من سبب، أهمها ألا يتحكم أحد بطريقة عملى كل يوم

فالعمل الحر يخلق الإبداع، والروتين فيه أقل بكثير من الوظيفة.

ولكن في بعض الوقت اقتنع بعض الشيء بآراء الآباء، أشعر وكأني أحتاج للتقدم لوظيفة ثابتة

فلو نظرت من وجهة نظرهم لوجدت بعض الحق

الوظيفة هي عمل ثابت، أموال ثابتة آخر كل شهر، ربما معاش بعد إنتهاء الخدمة.

لذا أرى أن من استطاع التوفيق بين الوظيفة والعمل الحر هو الرابح الأكبر.

أعتقد أن مع الوقت ستزيد إغراءات الوظيفة لأن أصحاب الأعمال يدركون الآن أن الاتجاه السائد وفكر الشباب يتجه للعمل الحر لهذا السبب سيبدأون في زيادة الرواتب والحوافز وزيادة فرص الترقية..الخ، ولكن كلما زاد مناخ الاستثمار في بلد معين كلما ظهرت ريادة الأعمال بشكل يطغى على الوظيفة الثابتة، وخلال السنوات القادمة ربما يبدأ الأباء في إقناع أولادهم أن يبدأوا مشروعهم الخاص عوضًا عن التقيد بوظيفة ثابتة.

حسنا...أنا أشتاق لفكرة الوظيفة منذ الأن

وخاصةالموظف الحكومي الذي كان يعود لمنزله وقت العصر ببطيخة ليجلس في البلكونة مع أولاده ثم ينام ويستيقظ مبكرا لعمله والجمعة عطلة رسمية

وفوق ذلك فإن مرتبه ثابت ويكفيه وهناك نوع من الاحساس بالأمان الوظيفي والاستقرار

لكن هذا عصرنا ما باليد حيلة...

ويبقى السؤال المطروح الآن؛ إذا كان آباؤنا وأجدادنا لم يغيروا قناعاتهم بأفضلية العمل الوظيفي على مدار سنوات مضت، ونحن قد تغيرت قناعاتنا، فهل سنحافظ على هذه القناعات بعد عشرون عاما مثلا؟

السؤال الذي يطرح يفرض نفسه هنا ، لِم تغيرت قناعتنا تجاه الوظيفة ؟! ربما لو كان هناك توافر فرص العمل بشكل كبير ، لما إقتنعنا في العمل الحر أصلًا ! ولكن الواقع المرير وإنتشار البطالة وإنعدام فرص العمل جعلنا نؤمن ونقتنع بالعمل الحر وما جعل ثقافة العمل الحر والعمل عن بعد تنشر لدينا هو جائحة كورونا .

أما بعد عشرون عامًا ، أعتقد أن القناعات لن تتغير تجاه العمل الحر ، فيبدو أن الحاضر ينبأ بأن المستقبل كله للعمل الحر ، فمن لم يقتنع بالعمل الحر في حاضرنا هذا ، سيقتنع مستقبلًا .

ومن قال ان العمل الحر جديد ؟

من بائع البسطة و عربية الطعام في الطريق . للنجار والمبلط و حتى معلمي الدروس الخصوصية والداية والطبيب و السياسيين وكتاب المسلسلات والممثلين وصحفيين ووو.

ومئات المهن منذ مئات السنين هي اعمال حرة. يمارسها عشرات ملايين الاشخاص في العالم العربي ...

ما اللذي اختلف الان ؟

القناعات تتغير ولكن لو فاضلنا بين مميزات وعيوب العمل الحر ومميزات وعيوب الوظيفة فأعتقد أنه لا إجابة قاطعة، تصلح للتعميم.

فمثلًا هناك أشخاص يستمتعون بوظائفهم ويرون أنها توفر لهم فرص التميز وزيادة الإنتاجية مع الاستقرار النفسي الناتج عن الاستقرار المالي.

مع أنني كوجهة نظر شخصية أرى أننا يمكننا أن نحقق الاستقرار المالي من خلال العمل الحر، عندما نوظف الأرباح بشكل صحيح ونوظفها في استثمارات مضمونة مثل العقارات.

ثم إن النقطة الغائبة (والتي لا يجب أن تغيب) العمل الحر ليس طريق الثراء السريع ولا السهل فأنت حتى تصل لنتيجة ما يجب عليك أن تجتهد وتتعب وتواصل وتتعثر وتنهض، سواء كان من خلال الوظيفة أو من خلال العمل الحر، التعب والجهد والمشقة سمة مشتركة بين المجالين.

لا أستطيع الجزم بأن قناعاتي ستستمر معي بمرور الزمن، لكن ما أود تأكيده هو أهمية الاستقلال بالفكر الذاتي في سبيل إثبات الذات، وهو ما تدعمه الأفكار الحالمة بتنفيذ المشاريع الناجحة أو تحقيق النجاح في سلك معين. أما حول مسألة السلك الوظيفي، فإنني لا أجد ضررًا في أن يسلكها الإنسان في العديد من مراحل حياته، لكنني أرى أن الأهم هو ألّا يتوقّف الإنسان عن مرحلة معيّنة من حياته ولا يتابع التغيّرات أو التطويرات التي قد تؤثّر في رحلته وتوجّهها نحو الاحتمال الأفضل.

أعتقد بأن العمل الحر هو من يفرض نفسه، ولا يتعلق الأمر بقناعاتنا، لأن فرصة الحصول على وظيفة صعب جدًا، وخصوصًا الوظائف الحكومية التي عملت فيها الأجيال السابقة، حتى الشركات الخاصة اليوم تحاول توفير بعض النفقات من خلال توظفين مستقلين يعملون بالمنزل، وهناك توجه كبير من الحكومات لتمكين الشباب من البرمجة والتسويق الإلكتروني، لغرض التحول الرقمي للدولة، كل تلك الأمور تزيد من صعوبة ايجاد وظيفة ثابتةفي السنوات القادمة، وبالتالي سيكزن العمل الحر هو الخيار الوحيد.