فكرة الشعور بالتعاطف هي فكرة غريزية وفطرية لا يمكن لأحد طبيعي وسوي نفسيًا الهروب منها، بل إن من تمام الإنسانية أن تشعر بالتعاطف مع كل من تعرض للظلم والقهر بشكل عام دون النظر لأي انتماء مرجعي أو ايدولوجي أو سياسي أو ديني أو عرقي، واليوم نحن كبشر في اتجاه ثقافي نخطو نحو مفهوم يسمى الإنسانية، بالتفكير في المصطلح مازال المصطلح مايعًا وهوائي جدًا ويحمل في جعبته مصطلحات انسانية ليس لها تعريف محدد،

ولكن ماذا حدث للتعاطف في العصر الحديث في وجهة نظري؟

آفة التعاطف في العصر الحديث هي قدرته الكبيرة على سلخ المرجعيات وتشويشها بحيث تحتل قيمة التعاطف نفسها مكانة القواعد والركائز فيصبح التعاطف في نفسه مرجعية للصح والخطأ بدلًا من الركائز الحقيقية للإنسانية، لا يحدث هذا مع التعاطف فقط ولكن يحدث على مستوى عظيم من التصرفات الإنسانية، بالتالي بدلًا من التقدم نحو قيم إنسانية حقيقية وإنما نجد أمامنا حالة من التشويش والتسييل والتمييع لمعايير الصحيح والخطأ لدى الإنسان بشكل عام.

الخطير في الأمر هو أن فكرة التعاطف هذه مختلفة تمامًا من شخص لآخر وليست ركيزة يمكن الارتكاز عليها للحكم على السياقات الصحيحة للإنسانية ناهيك عن إمكانية إثارة التعاطف بشكل مختلف في كل تجمع إنساني، وحتى بين التجمعات الإنسانية لتي تتسم بوحدة ايدولوجية وجغرافية ستجد اتساعًا شاسعًا بين ردود أفعال الأفراد، فلسنا كبشر مطالبين بتقديم نفس الدرجة من التعاطف ناهيك عن كون هذا مستحيلًا حتى، فالتعاطف يمكن أن يمتد إلى المؤازرة الفعلية ومشاركة الشخص أفعاله بناء على التعاطف وهذا شكل وارد جدًا منه!

لذا ففكرة جعل التعاطف الإنساني كمرجعية الإنسان في الحكم على الصحيح والخطأ بسرد مختلف للقصة التي أمامك تجعل من أعتى المجرمين فقط ضحايا لطفولة قاسية وكان بالطبع لابد لهم من مواجهة انتحارية مع المجتمع سواء بارتكاب جرائم سرقة أو قتل أو اغتصاب! فسرد الحكاية يمكن بشكل ما أن يحول من مرتكبي الجرائم والسفاحين هما ضحايا مباشرين ولذا سيجعلك هذا تشك في سياق خطأه وبالتبعية ستشك في سياق الحكم الواقع عليه! يجعلك الأمر تعيش حالة شعورية لتوافق على أشياء ما كنت لتقوم بالموافقة عليها أبدًا في الظروف والأحوال العادية، لذا يتحول حكمك على الأمور تبعًا للظروف المحيطة وليس تبعًا أن هذا خاطيء أو صحيح!

لا أنكر أنه بالتأكيد للبيئة الخارجية وذكريات الطفولة جزء كبير من تكوين جراح الطفولة أو الشخصيات، لكن هل ينبغي ألا يتم غض الطرف عن مرتكب جريمة ما لأنه تعرض لطفولة قاسية؟ أم أنه يجب ايقاف تجاوزه وإيقاع العقوبة عليه ثم تطبيق المسار الإنساني الوارد في بعض السجون المسمى بالـ rehabilitation والقائم في بعض البلاد بالفعل كسياق من إصلاح السجناء وإعادة دمجهم في المجتمع.

وهذا يقودنا للسؤال الرئيسي:

هل الاتجاه الذي يجعل التعاطف هو قاعدة أخلاقية بدلًا من الأفعال القيمية والقواعد هو اتجاه صحيح بالكلية؟ أم أنه ينبغي لنا أن نتعلم التفريق بين التعاطف والاعتراف بالخاطيء والصحيح؟