لطالما كان ترتيبنا بين إخوتنا يحدد جزءًا كبيرًا من شخصيتنا وتجاربنا في الحياة. هذا الدور، سواء كنا الابن الأكبر (البكر) أو الابن الأصغر (آخر العنقود)، يأتي بامتيازاتٍ وتحدياتٍ فريدة.
لو رجع بك الزمن، كنت تتمنى أن تكون الابن الكبير أم الصغير لأهلك؟
كوني الابنة الكبرى جعلني أرى الأمور من زاوية مختلفة… مسؤوليات أكثر، توقعات أعلى، ومساحة أقل للخطأ، لأنك غالبًا تكونين التجربة الأولى لكل شيءفي التربية، في القواعد، وفي طريقة تعامل الأهل مع المواقف. أحيانًا أشعر فعلًا أن ترتيبًا آخر كان سيمنحني تجربة أخف أو أكثر مرونة، فقط لأرى الحياة من منظور مختلف.
لكن في النهاية، أنا مؤمنة أن الله اختار لي هذا الدور لحكمة؛ فكما أن له ضغطه ومسؤوليته، له أيضًا مميزاته قوة في الشخصية، نضج مبكر، قدرة على الاحتواء، ومكانة خاصة لا تتكرر وسط العائلة. كل ترتيب له مميزات وعيوب… لكن ما دمنا نكبر ونتعلم ونفهم أنفسنا أكثر، فالغالب أننا كنّا في المكان الأنسب لنا مهما بدا الأمر صعبًا أحيانًا.
أنا أتفق معكِ تمامًا في أن قوة الشخصية والنضج المبكر هي ثمرة هذا الدور، وأنا أيضًا من واقع ترتيبي نفسه أستطيع أن أتفهمك في هذا.
لكنني أرى أن أكبر ثمن يدفعه الابن الأكبر هو الإدمان على الكمالية (Perfectionism).
بما أنكِ كنتِ دائمًا التجربة الأولى ومساحة الخطأ ضيقة، فإن هذا يخلق ضغطاً داخلياً لا ينتهي حتى بعد الكبر.
قد تجدين نفسكِ تحملين مسؤوليات لا تخصكِ في العمل أو في الحياة الاجتماعية، فقط لأنكِ تعتقدين أنه يجب عليكِ أن تفعليها بشكل مثالي.
التحدي الأكبر لكِ هو التخلي الطوعي عن توقعات الكمال غير المنطقية، وإعطاء نفسكِ مساحة للخطأ والضعف كما يفعل الأصغر منكِ.
بل كنت أتمنى أن أكون كما أنا "الابن الأوسط"
لا أريد أن أكون الابن الأكبر الذي سيجرب كل شئ لأول مره وسيعاني من صعوبة الجيل الأول في الكثير من الأشياء، وحتى في صغره سيجرب عليه الأبوان كل أساليب التربية.
ولا حتى الأصغر الذي سيكبر مدللا بلا أي مسئولية، في حين اني ك ابن أوسط تعلمت الكثير من تجارب اخوتي الكبار، أخذت منهم الاهتمام والحب والخبرة وأعطيتهم لأخي الأصغر، كنت أكثر اخوتي خدمة لوالدالي فلست الأكبر المنشغل ولا الصغير المدلل، وبالتأكيد أحمد الله على هذه النعمة وهي أن تكون بارا بوالديك ولا أتفق مع من يقول ان الابن الأوسط دائما مظلوم، فغالب اعتراضهم يكون على موضوع خدمة البيت، الذي أرى أنه تكليف وتشريف يحق لنا أن نفخر به.
لكن هذا لا يلغي حقيقة الشعور بالإهمال لدى الكثير من الأبناء الوسطى.
أرى معظمهم يعانون من تضاؤل الاهتمام والتوقع الأبوي وليس خدمة البيت كما ذكرت.
الامتياز الحقيقي للابن الأوسط من وجهة نظري هو التحرر من عبء التوقعات العالية (مثل الأكبر) ومنعه من التساهل المفرط (مثل الأصغر)، وهذه المساحة الرمادية هي التي تمثل فرصة عظيمة لبناء شخصية مستقلة.
ليس دائمًا، هو أيضًا لديه تحديات من نوعٍ آخر.
صحيح أن الابن الأصغر مدعوم ويحظى بالاهتمام الأبوي، لكنه يعاني من مشكلة نفسية مختلفة وهي البحث عن مساحة خاصة به وصعوبة إثبات الذات.
دائمًا يُقارن بنجاحات إخوته الكبار. لكي يشعر بوجوده، قد يلجأ إلى التمرّد أو السلوكيات التي تجلب الانتباه مثل أن يصبح مهرج العائلة أو يتميز في مسارات مختلفة تمامًا.
الراحة التي يتمتع بها الابن الأصغر هي راحة مشروطة بالتأخر عن إخوته في الإنجاز؛ مما يضع عليه ضغطًا غير مرئي عليه لإيجاد هوية خارج هذا الإطار.
التعليقات