لم أحضر الموقف، لكني الآن أشاهد في عينيه شعور بالإنكسار، فكيف يمكنه تجاوز ذلك؟
صديقي تعرض إلى موقف اضطره للاعتذار على الملأ حفاظًا على المشروع ووظيفته، بينما هو غير مخطئ، كيف يتجاوز ذلك؟
عليه أن يغير نظرته للاعتذار المهني, لقد قام بالعمل الصحيح بالنسبة له ألا وهو الاعتذار حفاظا على المشروع والوظيفة وهذا سلوك روتيني في العديد من المشاريع والوظائف وعليه أن يفكر في الموضوع على أنه إجراء مهني وجزء من العمل, لا أن ينظر للمسألة من منظور شخصي اجتماعي, التعامل في المشاريع والوظائف يختلف عن الحياة الاجتماعية, يعتذر النادل عن الطعام السيء بالمقدم رغم أنه لم يطبخه وليس بصاحب المطعم, تعتذر موظفة الاستقبال في العيادة عن تأخر الطبيب...عليه أن يعتبر المسألة كذلك.
وعلى أي سيتجاوزه مع مرور الأيام, الزمن كفيل لجعله يتجاوز المواقف المماثلة, كلنا نمر في حياتنا بمواقف محرجة وظالمة ومهينة نفكر فيها لأيام وأسابيع وتصير بعد ذلك من الماضي.
صحيح هذا ما يقوم به حتى أكبر رواد الأعمال وباستمرار أيضًا، تخيل أن تكون مجبرًا على الإعتذار لمليار انسان يستخدمون منتجك لمجرد عطل فني لا علاقة لك به، وتقوم بالإعتذار بكل أريحية، ما دام جيبك سيستمر في الإمتلاء بالمال!
ناهيك عن شيوع هذه المواقف مع العاملين في مجال خدمة العملاء الذين يضطرون للتعامل مع عملاء غاضبين طوال الوقت، تكاد تتشنج ألسنتهم من كثرة الإعتذار.
ولكن بحكم أنها المرة الأولى لذلك تبدو قاسية عليه هكذا، كما أن بعض الشخصيات تكون أكثر مرونة من غيرها في مواقف كهذه، المهم أن يعمل على إبراز نفسه بعمله الممتاز وكفاءته العالية وسينسى الناس موضوع الإعتذار، مع العلم أنه قد يكون انتقل إلى سلة مهملات الذاكرة منذ أول دقيقة بعد الموقف، لم يبقَ إلا في عقل ذاك المسكين.
ربما الموقف الذي أجبر عن الاعتذار عنه هو اتهام له شخصيا بالكذب، أو بشيء سيء بالخصوص. كأن يتهمه شخص أنه سرق شيء، وهو لم يفعل، أو أخطأ بالحسابات، وهو لم يفعل. لا أظنه سينكسر لو كان اعتذارا صوريا عن شيء يعلم الكل أنه لم يفعله، وليس هو سببا مباشرا فيه.
. كأن يتهمه شخص أنه سرق شيء،
لا أعتقد المسألة كذلك, لا أحد يعتذر عن جرم لم يرتكبه! ولا يجب عليه ذلك أصلا لأن الاعتذار في هذه الحالة يمكن أن تثبت ضده التهمة في المحكمة مع وجود شهود يؤكدون اعتذاره عن فعل السرقة.
أما الأخطاء التي يرتكبها مثلا المسؤولون أو بقية الموظفين فيمكنه أن يعتذر عنها بكل أريحية لأن هذا ما يحصل في الوسط المهني دائما, يعتذر الموظفين لمدرائهم ومسؤوليهم عن أخطاء تسبب فيها غيرهم من الموظفين أو مدراؤهم هم ذات أنفسهم.
ربما لن ينكسر، لكن ألا تظنين أن غضبه من الموقف قد يضطره إلى خيارات انتقامية لاحقة؟، مثلًا أن يتغاضى عن مشكلة لاحقة لا تخص مهامه لكنها ستضر الشركة لو لم ينبههم لها كما كان يفعل بإخلاص سابقًا!
مثل هذه المواقف لا يُنسى أبدًا ولو كنت في مكانه سأشعر بالحزن والضيق بالفعل وربما سأفكر في ترك العمل، سيأخذ صديقك بعض الوقت ليتناسى الموقف، لذلك واجبك وواجب أسرته أن تظلوا بجانبه تقدمون له الدعم والتشجيع على الاستمرار في السعي، ومن الضروري أن يشغل نفسه بالعمل قدر الإمكان ويركز على أدق تفاصيله جيدًا، وهذا سيجعله يتجاهل أي شيء آخر، ومن يدري ربما تدور الدائرة ويستطيع إثبات أنه كان محق في الموقف الذي تسبب في شعوره بالحزن، خاصة إذا استطاع إثبات نفسه ومهاراته.
ومن قال إن عليه إن يأخذ حقه في نفس اللحظة؟
أخذ الحق قد يستمر أيامًا وشهور وأحيانًا سنين.
تمام هو مضطر للاستمرار في العمل كما هو الآن، ولكن ليبدأ العمل على الخطة البديلة. ربما هذه إشارة له أيضًا ليبحث عن مكان يقدّره أكثر.
ولكن ليس مضطرًا إلى أن يخسر شيئًا في مقابل رد كرامته. يمكنه الحصول على كل المكاسب معًا. المسألة مسألة وقت وذكاء.
موجود طبعًا، وحتى أني تذكرت واحدًا معاصرًا منهم الآن وهو الشيخ مطلق الغويري ،بارك الله بعمره، رائد الأعمال السعودي صاحب شركة الغويري للمقاولات. قرأت عن سيرة حياته وعلى وجه التحديد كيف يتعامل مع موظفيه وعن السياسة التي تقدر الموظف كإنسان لا كجماد تعطيه الأوامر وينفذها بلا روح.
مثل هؤلاء يعرفون أن نفسية موظفيهم هي الأهم حتى لو قلت الأرباح مرة، فإن المال يذهب ويعود، أمّا نفسية الموظف وولاؤه لشركتك يذهبان للأبد.
ليبحث ليبحث.. الحياة واسعة وفرصها كثيرة.
التعليقات