مؤخرا، أصبحت وتيرة الأخبار السيئة مرتفعة، وكل يوم تقريبا نسمع ونرى بأنفسنا على الشاشات حوادث، وكوارث طبيعية، وأخبار الحرب والدمار الناتج عنها. المتابعة ضرورية، ولكن قد توثر كثيرا على حياتنا، فتسبب الكوابيس، والإرهاق النفسي المستمر. في هذه الفترة، كيف تتعامل مع الضغط والتوتر الناتج عن ذلك بحيث لا يمنعك من المتابعة؟
كيف تتعامل مع الضغط النفسي الناتج عن متابعة الأخبار السلبية؟
المتابعة ضرورية
لماذا ضرورية؟
في الشريعة الاسلامية يوجد ما يسمى بفقه الموازنة بين المصالح والمفاسد, أي محاولة درء المفاسد وتقليلها وجلب المصلحة قدر المستطاع, ويمكن استعارة منطق هذا الفقه في حياتنا اليومية:
- ما المنافع التي ستعود عليك من متابعة أخبار الحروب والكوارث الطبيعية----> ما المفاسد التي ستعود عليك بالمتابعة
قارني بين المنافع والمفاسد وقرري هل الأمر يستحق أم لا!
بالنسبة لمن يتضرر نفسيا فالمتابعة لا تتطلب مشاهدة مقاطع صوت وصورة للدمار والمعاناة, يمكن المتابعة عن طريق عناوين الأخبار المختصرة فقط دون الحاجة للغوص في تفاصيل قصص المعاناة ومشاهدة الفيديوهات.
سيختلف الأمر إذا كنا نتحدث عن بلادك، هذا الأمر عايشته شخصيًا بعد نشوب الحرب في بلادي، كان انصبابي على محطات الأخبار كثيف بشكل شره ومرضي، كأنه إدمان لا أستطيع السيطرة عليه، كلما جلست دقيقة دون أخبار أبدأ بالتآكل من الداخل، وهذا الأمر دمرني كثيرًا بشكل مخيف في الأشهر الأولى، ولكن الشاهد هنا هو أنه أحياناً تشعر أن الظروف تقودك بشكل قد لا يسمح لك بالضغط على المكابح والتفكير بهذه الطريقة التي ذكرتها، حتى الآن بعد مرور أكثر من عام على الحرب، على الرغم من أن وتيرة متابعتي للأخبار خفت عن ذي قبل إلا أنه ما زال يأكلني الشعور بالذنب كلما ابتعدت يوم عن متابعة الأخبار بالتفصيل واعادة نشرها.
كلامي كان موجها لمساهمة هاجر التي تحدثت فيها عن متابعة الحروب والكوارث بالعالم في التلفاز , بالتأكيد الأمر سيختلف عندما يتعلق الأمر بموطنك, الأمر أشبه بمتابعة خبر البحث عن ناجين من سقوط طائرة, يستحيل أن ننصح عائلات الضحايا بعدم متابعة الأخبار وانتظار تلقي اتصال هاتفي من الجهات المسؤولة لإخبارهم بالعثور على أحبابهم! الرابط العاطفي أقوى من أن نتحكم فيه عندما يتعلق الأمر بما يخصنا, لكن أن نتابع أخبار الكوارث في العالم قاطبة فهذا أمر يمكن تجنبه.
أوافقك على أن مبدأ فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد مفيد جدا في مثل هذه الحالات.
بخصوص متابعة أخبار الحروب والكوارث، قد تكون هناك منافع في البقاء على اطلاع بما يحدث في العالم، مثل زيادة الوعي بالقضايا الإنسانية أو معرفة كيفية المساهمة في الإغاثة والدعم. وإذا كنت قريبا من منطقة النزاع، فستشعر بقدر كبير من المسئولية تجاه المتابعة المستمرة. ومع ذلك، يمكن أن تكون هناك مفاسد نفسية واضحة، خاصة إذا كانت هذه المتابعة تؤدي إلى زيادة القلق والتوتر والاكتئاب.
اقتراحك بالاقتصار على متابعة عناوين الأخبار دون الغوص في التفاصيل المروعة هو نصيحة جيدة فعلا. لكن لا أعلم لماذا إذا حاولت تطبيقه أحس أني أهرب من المشاهد بدلا من أن أواجهها أو أنني ما دمت في هذه الحياة، فكيف أعجز حتى عن مشاركتهم بأن أشهد على ما مروا به؟
أحس أني أهرب من المشاهد بدلا من أن أواجهها
نعم هو هروب من المشاهد! مثلما نهرب من أي نشاط أو سلوك مضر, لأنه لا فائدة من مشاهدتها بل بالعكس ستضر الصحة النفسية والجسدية لك, وهذا الضرر النفسي لن يفيد أحدا, فما الفائدة التي ستعود على من يعاني الحروب والكوارث إن سيدة ما بالعالم تضررت نفسيا وهي تشاهده يعاني؟ لا شيء بالمرة!
لا أعلم إذا كنت أستطيع تجنب المشاهد نفسها، فهي تكون جزءا من الخبر. ونادرا ما أجد من يكتب الأخبار كتابيا. ما أقصده هو لا أستطيع تجاهل الأحداث نفسها، وأرغب بأن أكون على علم على الأقل بما يجري. وأنا لست بذلك البعد عن مكان الصراع؛ لذا ربما هذا سبب إضافي في إحساسي بالمسئولية، وشعوري أنه ربما تتطور الأحداث بشكل بحيث يمكننا المساعدة بشيء أو بآخر.
طبيعي نحن كبشر نتأثر بالأحداث المحيطة خصوصاً إن كانت مستمر, ولكن أفضل ماتتغلب به على أمر ما هو مواجهته وأن تصبح بداخله, لذا أتغلب على هذا بمحاولة إحساس نفسك أنك جزء من هذا وبأنك شخص قوي وتحلل الأمور التي تراها وتستمع لها طوال اليوم وتفكر في حلولها بقرارة نفسك (حتى لو حلول خيالية ولن تراها يوماً) والأهم أنني أخصص وقت (ساعتين في المساء) للراحة السلبية أي لا أفعل شيئاً يبذل مجهود فكري قد أذهب للخارج أو أشاهد فيلماً أو أجلس مع الأصدقاء دون التفكير في أي شئ يخص العمل أو الأحداث السيئة أو أي شئ قد يبذل عقلك فيه مجهود ذهني
هذا الأمر فكرت به من بعد ١٠ أيام من ٧ أكتوبر، بعد الحزن الكبير الذي ألم بي في تلك الفترة، ما قمت به أمرين، الأول على المستوى المادي فعل حقيقي والثاني على المستوى النفسي، أي تغيير أفكار، الفعل الأول المادي هو أنني قيّدت مشاهداتي من أي لحظة في أي وقت إلى نصف ساعة يومية لمتابعة الاخبار وحصراً على اكس على شريط عاجل ومن دون فيديوهات، وثاني أمر اتخذته لحماية به نفسي هو تقبّل سنة الحياة في الموت والاذلال كما الحياة والعيش الهانئ، حين تأملت الليل والنهار رأيت أنه حين تكون النصف الكرة اليميني مثلاً في ليل يكون النصف الاخر في نهار، وتتعاقب الأمور وبالمثل الحياة بشأن الأموال والمعارك والتنمية والنجاحات والهناء والصراع وكل شيء، كل شيء متعاقب، بين سلبي وإيجابي دائماً، ما علينا سوى أن نقبل بهذه الحقيقة ولا نرفضها فتؤثر فينا وبأنفسنا.
وحين أتعرض أيضاً لكبت شديد من الأخبار أستخدم يوك بالاسبوع لزيارة الاصدقاء والعائلة، شعور الجماعة والكلام مع الاخرين يبدد وحدة التفكير السلبي ومأساة الانسان مع نفسه بسبب أفكاره
من الطبيعي أن نتعاطف ونحزن مع سيل الأخبار السلبية، لكن ما وجدته أن هناك مصادر إخبارية تعمل عن قصد على تعميق الجراح عبر إشراكك في الخبر لا إعلامك به، فهم في رأيي وكأنهم هم الذين جعلوكِ وجعلوني وجعلوا الكثيرين يشتكون من هذا الأمر، فوجدت الناس بدأت تتجنب متابعة الأخبار بسببهم، ومنهم من اقترح ألا نتابع الأخبار إلا من مصدر واحد اقترحه يعرض عنوان الخبر كاملًا فقط.
فهل وجد أحدٌ منكم مصدرًا مفصلًا للأخبار، لا يكون وكأنه يريدنا أن نكره متابعته؟!
التعليقات