سمعت أحد "المؤثرين" المصريين وهو متخصص بالتسويق، قال إنك لو كنت رجلًا في الثلاثينات من عمرك وكانت لديك وصلة إنترنت وحاصل على مؤهل جامعي ولم يكن راتبك السنوي 500 ألف جنيه مصري فأعلى (بما يعادل 10400 دولار) فأنت إما شخص غبي أو جاهل أو أنك رافض الحصول على المساعدة من غيرك لتطوير نفسك.
ما رأيكم في هذا الكلام؟ دعونا نناقشه بكل واقعية.
لنقيم كلام هذا الأخ بكل واقعية ومنطقية فلنجري إحصاء ونجرد الرجال الثلاثينيين بهذا البلد الذي ينتمي إليه (مصر) الحاصلين على مؤهلات جامعية ولديهم انترنت ثم لننظر إلى رواتبهم, إذا كان متوسط الرواتب لهؤلاء الرجال هو المبلغ الذي حدده في 10400 دولار سنويا, فإن معه كل الحق, وبالتالي من يحصل على رواتب أقل من هذا المتوسط الشائع بالبلد إما يعاني من ضعف القدرات العقلية أو يجهل العديد من المعلومات أو يعاني مشاكل بشخصيته, أو نحو ذلك يعيقه على أن يكون ضمن الفئة المتوسطة, أما إن كان متوسط الرواتب لهؤلاء الرجال أقل بكثير مما يقوله هذا المؤثر وهذا هو الراجح عندي فهذا يعني أن هذا المؤثر من يعاني من ضعف القدرات العقلية والجهل المطبق بأبجديات كيف يعمل اقتصاد الدول, وربما يعاني مشاكل بالشخصية أيضا كالعجرفة واحتقار الآخرين واستصغارهم.
لأنه لا يمكن أن ننعت الأغلبية الساحقة من مواطني دولة من الدول بالغباء والجهل لأن اقتصاد الدولة ككل متضرر ومتوسط الدخل الفردي منخفض بها, هذا لا يقبله لا منطق ولا عقل ولا واقع. وإن كان هو ناجحا في عمله فهذا لا يعني أن من هم أقل منه دخلا أغبياء أوجهلاء أوكسالى.
هذه مشكلة الكثير من "الناجحين" هذه الأيام، وهي بين مزدوجين لأن الحكم على الشخص أنه ناجح بهذا العصر أصبح بالمال فقط تقريبًا والماديات عمومًا، لهذا تجدنا نعلي من شأن كل الأغنياء وكأنهم مثال يحتذى به وهم على عكس ذلك في كثير من الأحيان فإذا نظرت لشخصيات وتعاملات أغنى رجال الأعمال بالعالم مع عمالهم وموظفيهم وحقوقهم ستعرف كم هم فاسدون أخلاقيًا وحتى سلوكيًا في بعض الأحيان، فعلينا نحن أن نتوقف عن الإعلاء من شأن كل رواد الأعمال الناجحين دون تفكير ونصفهم بالمؤثرين و influencers ونمنحهم المنابر لنصح الشباب.
تماما!
المشكلة أن هذه النوعية من المؤثرين لا يصلح أن نطلق عليهم لقب رواد أعمال ناجحين, فأغلبيتهم لا يخلقون منتجات بل يمارسون التسويق الالكتروني, ويحاولون إقناعك أن الطريق نحو النجاح والغنى هو التسويق الالكتروني, أي تشتري منتجات من مكان ما وتسوقها بالانترنت, وأن الكل يمكنه سلك هذا الطريق, وهم يغفلون بغبائهم حقيقة أنه لا يمكن للشعب قاطبة ممارسة خدمة التسويق, اقتصاد الدولة لا يقوم بخدمة واحدة, إذا لجأ كل الشباب لمجال الخدمات فكيف سيقوم الاقتصاد أصلا؟ سينهار قطاع الخدمات لأن الكل يشتري ويبيع ولا وجود لمشترين ولا إنتاج ولا صناعات وهكذا ستنهار بقية القطاعات.
وبالتالي من يحصل على رواتب أقل من هذا المتوسط الشائع بالبلد إما يعاني من ضعف القدرات العقلية أو يجهل العديد من المعلومات أو يعاني مشاكل بشخصيته,
لا من فضلك دعنا نركز على أنه ذكر وصلة الإنترنت كحُجة على كلامه، فالعالم كما تعرف أصبح مختلفًا عما قبل، وكسب المال أصبح عن بُعد، وبالتالي سيقول لك ما الذي يمنعك من تعلم مهارة والكسب بالدولار؟؟ هل أنت أقل ممن تعلموا وامتهنوا العمل الحر؟
بسبب تدني قدراته العقلية فهو غير قادر على إدراك حقيقة أنه لا يمكن للشعب قاطبة العمل بالقطاع الخدماتي بالانترنت, إذا لجأ عشرات الملايين من الشباب بمصر -حسب مثاله- للعمل عن بعد فستشتد المنافسة وسيصير هذا المؤثر أول المفلسين لأن القطاع لن يستوعب هذا الكم الهائل من العاملين عن بعد.
أين الصناعة؟ أين المنتجات؟ هل يقوم اقتصاد الدول على جزء من قطاع الخدمات فقط؟ العمل عن بعد هو لمساعدة الشركات المنتجة على خدماتها, وليس هدفا بحد ذاته.
وبالتالي سيقول لك ما الذي يمنعك من تعلم مهارة والكسب بالدولار؟؟ هل أنت أقل ممن تعلموا وامتهنوا العمل الحر؟
هذا كلام يقوله لصديقه أو ابن جاره سيكون متقبلا, لكن أن يقوله للعامة قاطبة فدليل على الجهل والغباء, هذا مثل أن أخرج في صفحتي كمؤثر وأقول للشباب ببلدي الجأو جميعا لدراسة المحاماة وتخرجوا محامين فالمحاماة مهنة تكسب المال...
هو يفترض ان المؤهل الجامعي من الجامعات الحكومية مثله مثل المؤهلات الجامعية من الجامعات الخاصة، ويفترض ان خريج كلية مثل الحقوق تتساوي فرصه مع خريج كلية الطب او الهندسة، فمثلاً الطبيب من الممكن ان لا يحقق هذا الدخل في مصر إلا لو هاجر، والمهندس كذلك، وهذا لا يعيبهم او بسبب تقصير منهم ولكن بسبب ظروف نظام الرواتب والأجور الخارجة عن إرادتهم؛ وحتي خريج كلية الأعمال من الممكن ان يفتح مشروع ويفشل فيه او يفتح مشروع ولا يحقق هذا الربح، وليس جميع الناس حتي لديهم القدرة العقلية والمادية على فتح المشاريع.
صاحب هذا الكلام نفسه -رغم أني أحب نقاش الأفكار وليس الشخص الذي نبعت منه- ولكن غريب أن يخرج هذا الكلام من شخص عاش الفشل بنفسه- فشل كثيرًا في تحقيق الربح من تجارات مختلفة، وشهرته عبر الإنترنت لم تحدث إلا في سن كبير.
أتفق معه جداً في هذا الأمر، تاخرت حتى وعيت على هذا الكلام، اليوم الإنترنت يجعلني متصل مع كل أنحاء العالم، ما الذي يجبرني أن أعمل في دولتي ومع أشخاص منها إذا كنت أملك مهارة ولغة أستطيع وضعها في دول ومناطق يمكن أن تدفع لي أضعاف ما يُدفع لي في بلدي؟ الشباب يخافون من اختراق مجالاتهم المادية والخروج للعمل مع الخارج لافتقارهم للشجاعة والكيفية الصحيحة للقيام بذلك، أنا بمجرّد ما وعيت لهذا الأمر بدأ المراسلة مع شركات من كل أنحاء العالم للتوظف بها أو تقديم أعمال لها ومن لحظتها بدأت الأمور مادياً عندي بالتحسن التدريجي.
أهنئك على ذلك وبارك الله لكَ!
ولكن هل وصلنا حقًا إلى المستنقع الذي يجبر من فيه على العمل في أي مجال يدر المال والسلام؟ هل حقًا وصلنا إلى هذه الدرجة؟ هل نسينا العمل في المهنة التي نميل إليها وكانت حلمنا من الطفولة؟ هل على الكل أن يصبحوا مبرمجين ومترجمين ومصممين و.... حتى يقبضوا هذا المبلغ؟
سأوافقك وأوافقه الرأي وأتجاهل كل الاعتبارات (إلا اعتبار الدخل المادي) إذا كنا قد وصلنا فعلًا لهذا المستنقع. هذه كارثة.
لم أذكر لوهلة واحدة أن نعمل في غير مجالات التي نحبها، أصلاً لا يمكن للإنسان أن يكون منتجاً في مجال لا يحب أن يعمل به، يجب أن يحب وهذا شرط أساسي عندي، أنا أتكلم عن توظيف ذات المجال الذي نبيعه أو نعمل به ولكن للخارج لنتحصل على العملات التي يمكن أن تؤمن لنا دخل دولاري يغنينا عن الأعمال المحلية المتعبة والغير مجدية.
كسول؟ هل كلمة كسول تنطبق على كلاً جسدياً و فكرياً؟
اعتقد كلمة كسول جسدياً في بلد كمِصر في الأغلب صحيحه، فكرياً أعتقد من الطبيعي جداً صعوبة الوصول للمبلغ ذاك..
و مع ذلك.. انصحنا كيف نصل للمبلغ ذاك في خلال سنه أو بنهايتها
اعتقد كلمة كسول جسدياً في بلد كمِصر في الأغلب صحيحه، فكرياً أعتقد من الطبيعي جداً صعوبة الوصول للمبلغ ذاك.
لم أفهم وجهة نظرك جيدًا آلاء، هل يمكنك توضيحها لي بشكل أكبر؟ مهتمة بسماع رأيك.
و مع ذلك.. انصحنا كيف نصل للمبلغ ذاك في خلال سنه أو بنهايتها
هذا ليس كلامي ولكنه كلام ذاك "الانفلونسر" الذي لن أقول اسمه، وهو يعتقد أن العمل عبر الإنترنت سهّل كل شيء حتى الحصول على المال والقبض بالدولار عن طريق تطوير المهارات والسعي وبلا بلا. كلام اللايف كوتشز المعروف.
التعليقات