لنفترض بأن صديقًا لك جمع قوته وأخبرك بأنه مصاب بمرض اضطراب الوسواس القهري (OCD) أو أي مرض عقلي أخر وذلك بعد تشخيصه من طبيب نفسي، هنا ماذا ستفعل؟ وما الذي لن تفعله؟ بماذا ستنصحه؟
لو أخبرك صديقك بأنّ لديه مرض عقلي، كيف ستتعامل معه؟
أول ما سأفعله هو الاستماع إليه بشكل دقيق وبدون الحكم عليه أو التشخيص الذاتي. سأحاول فهم مشاعره وأفكاره والتأكد من أنه يشعر بالراحة في التحدث معي.
بعد ذلك، سأنصحه بضرورة البحث عن طبيب نفسي مختص والذي يستطيع تشخيص حالته بدقة ووضع خطة علاجية مناسبة. سأحثه على عدم الخجل أو الخوف من زيارة الطبيب النفسي وأن البحث عن العلاج لا يعني ضعفًا أو عدم القدرة على التعامل مع المشاكل.
سأشجعه أيضًا على تحسين نمط حياته، مثل ممارسة الرياضة بشكل منتظم والتغذية الصحية والحصول على قسط كافٍ من النوم والتخلص من العادات السلبية التي تزيد من القلق والتوتر.
أما بالنسبة لما لن أفعله، فلن أقدم على تقديم التشخيص الذاتي أو النصائح غير المدروسة، كما لن أحكم عليه أو أعرضه للمزيد من الإحراج أو الضغط.
في النهاية، سأتذكر أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية عقلية يحتاجون إلى الدعم والتفهم والعناية كما يحتاجون إلى العلاج المناسب، وأنه بوجود العلاج المناسب والدعم اللازم، يمكن لهذه الأمراض أن تتحسن وتتحول إلى عيش حياة طبيعية.
حسب قوة علاقتنا، هو لو كان صديق بمعنى الصديق فحتمًا لن يكون تشخيصه جديدًا عليّ، إذ كيف لصديقتي التي هي مني بمنزلة روحي أن تعاني شيئًا يؤلمها ولا أشعر بها؟ وفي هذه الحال سأمشي مشوارها معها، نقرأ معًا عن المرض، أعراضه، طرق التكيف معه، علاجه، نحضر الجلسات الطبية سويًا.
أما إذا كانت العلاقة بعيدة فلن أقتحم حياته وخصوصياته، سوف أسأله عن نوعية المساعدة التي يمكنني تقديمها له، وسوف أسدي من النصائح ما أعرفه مع نصحه بعدم استبعاد خيار اللجوء للطب النفسي.
بماذا ستنصحه؟
المرض عارض من عوارض الصحة وليس هو الأصل فيها، لذلك يجب أخده على أنه مرحلة يجب التعامل معها بحكمة وتأني وصبر، لا يختلف المرض النفسي عن اي مرض جسدي اخر، وليس هناك مريض يريد ان يبقى في مرضه طبعا، لكن يجب ان يكون رحيما حنونا عطوفا على نفسه قبل ان يطلب العطف من الاخرين، لا تحكم بالسوء على نفسك، تفهمها واحتويها ، تعامل معك وكأنك رضيع في الثانية من العمر يحتاج الرعاية والحب.
المشكلة في الامراض النفسية هي انها امراض ذاخلية غير مرئية ولا تظهر للسطح الا في وقت متأخر جدا من بدايتها، عكس الامراض الجسدية التي تعطي اشارات واضحة في معظم الاحيان ، لذلك معظم المرضى النفسيين لا يعلمون انهم مرضى اصلا، لذلك اذا شعرت انك متعب او قلق او انك ليست بخير عد الى مرافق نفسي ليساعدك في اكتشاف نفسك واعطها اولوية .
ليس هناك خيار الابتعاد عنه أول شيء سأفعله أنني سأفعل كما فعلت الآن، كنت سأستعين بالانترنت والمقالات والفيديوهات في الوصول إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأمر، أو أسأل من لديهم العلم في هذا الأمر.
ولكنني أتفهم أنه بالطبع مهما حاولت فأنا لن أعالجه، هذا اضطراب حقيقي ويحتاج إلى علاج . لذلك كنت سأسعى معه في هذا الأمر، ولو كان هناك ما يعيقه من العلاج فإنني سأعمل معه على حله ليبدأ في العلاج الفعلي.
أخبرني أنت عن رد فعلك لو حدث معك هذا الموقف؟
هذا سؤال سهل الجواب عليه وكلنا قد نجاوب نفس الإجابة وهي المساعدة و المعاضددة حتى النهاية و الدلالة على الطبيب النفسي المعالج وغيرها مما نقوله. ولكن الأصعب أن يكون بعض الأصدقاء لديهم حقاً مرض نفسي ويحتاجون فعلاً إلى الذهاب إلى طبيب نفسي غير أنك لا تعرف كيف تصارحهم وهم أصلاً لا يعترفون بذلك!!! هذه برأيي قضية معقدة جداً؛ لأنك في حيرة بأن تخبره أولا تخبره. ثم كيف لو غضب منك وادعى انك تنال منه ومن قوته العقلية وسلامته النفسية؟!! القضية الخطيرة هنا أننا في أوطاننا العربية ثقافة إدارة المرض النفسي غائبة و المرض النفسي ما زال وصمة عار تلحق بصاحبها وقد تلحق بأهله أيضاً. هذه حقيقة لا يمكن نكرانها. وقد حصل ذااك الموقف معي مع صديق لم أره من سنوات وكان قد تزوج وانفصل و حصلت معه مشاكل كثيرة و خلافات أسرية ومع اهله فأفضى به الأمر إلى عقد نفسية كادت تنسيه نفسه!! في تلك الحالة لم أستطع أن أخبره بضروة مراجعة طبيب نفسي. كيف كنت تتصرف لو كنت مكاني؟
إذا أخبرني صديقي أنه يعاني من اضطراب الوسواس القهري فمن المهم أن أكون في بداية الأمر وفوراً بشكل مباشر متفهماً وداعماً وعدم فعل أمرين: لا التفاجئ الشديد من الأمر والمبالغ به، ولا لوم المريض بلماذا تأخّر بإخبار الأمر، الوسواس القهري هو حالة صحية عقلية تجعل الناس لديهم (وساوس) وأداء سلوكيات متكررة (قهرية) أي غصب عنهم في محاولة للسيطرة على الأفكار. يمكن أن يكون من الصعب جداً التعايش مع هذه الأمور ولكن من المستحيل أن يغدو مستحيلاً، ومن المهم أن نكون متواجدين مع أصدقائنا في محنة التأقلم مع الأمر.
أوّل ما يمكنني أن أخدمه به هو أن أثقف نفسي أنا أولاً عن الوسواس القهري مثلاً، كلما عرفت أكثر عن الأمر كنت أفضل تحضيراً لمساعدة صديقي، هناك العديد من الموارد المتاحة عبر الإنترنت وفي المكتبات والتي يمكن أن تعلّمني كل شيء تقريباً عن هذه الحالة. ثاني أمر هو أن أقوم بتشجيع صديقي على طلب المساعدة المتخصصة من الأطباء بذات طريقتنا وتعاملنا السابق دون أي تغيير فيه أي نكهة شفقة أو انزعاج، فالوسواس القهري مرض قابل للعلاج ويمكن أن يُحدث الطب في الأمر فرقاً كبيراً.
أهم مافي الأمر أيضاً أن أمنح صداقتنا وقتاً طويلاً، الأمر يحتاج للتعافي الكثير من الوقت، يجب أن يكون الصبر هو مفتاح الشخص السليم في العلاقة ليستطيع تفهم وفهم الطرف المريض، إذاً بالمعرفة والتشجيع والصبر، هذه أدواتي لمساعدة أي صديق قد يخبرني بأنّهُ في ورطة ضمن نطاق صحّته العقلية.
إذا أخبرني صديقي أنه مصاب بمرض اضطراب الوسواس القهري أو أي مرض عقلي آخر، فأولاً سأشكره على الثقة التي وضعها فيّ وأنا مستعد للتحدث معه عن ذلك. وللتوضيح، فإن أي مرض عقلي ليس دليلاً على ضعف الشخص، بل هو مرض مثل أي مرض آخر ويحتاج إلى العلاج والدعم.
سأحاول أن أكون داعمًا لصديقي وأنصحه بالتحدث مع الطبيب النفسي والبحث عن الموارد المتاحة للمرضى، مثل الدعم النفسي والعلاجات المتاحة، وفي حال كان يرغب في التحدث مع أحد آخر يعاني من نفس المرض، فأنصحه بالانضمام إلى مجموعات دعم المرضى.
سأتجنب الحديث عن أمور تتعلق بالتشخيص أو العلاج، حيث أن هذا يتوقف على نصيحة الطبيب النفسي وتشخيصه، ولن أنصحه بتجربة أي نوع من العلاج بدون استشارة طبية.
بشكل عام، سأكون مستعدًا للاستماع إلى صديقي وتقديم الدعم المناسب له في هذه الفترة الصعبة، وأؤكد له أنه ليس وحده في هذا المرض وأنني هنا لدعمه.
التعليقات