يتحدث أشخاص لساعات طوال، ننصت لهم ونحن مستمتعين، بينما آخرون لا نطيق سماعهم لدقائق فما هو السر في ذلك؟
هل هي موهبة ام علم يكتسب؟
و هل لديك تجربة شبيهة بذلك أنتقلت فيها من ثاني إلى الأول كم ذكرت؟
شراكنا إياها
بينما آخرون لا نطيق سماعهم لدقائق فما هو السر في ذلك؟
السرُّ يكمن في عوامل كثيرة، كفاءة الرّاوي وقدرته على الإقناع وجذب أنظار الحاضرين وجعلهم يُصغون لكلّ ما يقوله، فمن المهمُّ تعلُّم هاته الأمور كفن الإقناع، تحليل شخصية من نُخاطب، وإنتقاء المواضيع والقصص التي نسردُها، فقصصُ الأطفال لا تُناسبُ الكبار وأسلوبُ الخطابة يتغيّرُ من فئة عمرية إلى أخرى، فالطفل ليس كالشاب والمراهق، والكهل والشيخ، علينا أن نراعي طريقة كلامنا وسردنا مع مختلف الفئات، وإن كانوا مجتمعين فلا بأس بالمزج بين الأنماط والأساليب المختلفة، لجعل الجميع مركّزا ومُنتبها.
كذلك محورُ القصّة وأحداثُها يلعبُ دورا هامّا في إثارة المُستمع واللّعب على أوتاره بجعله يعيشُ القصّة وكأنه فيها، وهذا لا يصلُ إليه إلاّ مُحترف في الخطابة والسرد.
لا يمكننا أبدًا أن نعتبر الأمر موهبة أو غيره. من الممكن أن ننظر من زاوية أخرى، حيث تكون الفطرة قادرة على توقّع شيء والقيام به دون الآخر. لكن ذلك لا يعني على الإطلاق أن المسألة غير قابلة للتعلّم. كل ما في الأمر يتطلّب أن نوسّع مداركنا بعض الشيء، وأن نعمل على المزيد من الأدوات التي يجب أن تتوافر لدينا، والتي من أبرزها:
هل هي موهبة ام علم يكتسب؟
يمكننا القول إنها موهبة وعلم في نفس الوقت، العديد من الأشخاص يمكنهم قص قصص لوقت طويل ولا تمل منهم لخفة دمهم لكن طريقة الرواية تكون غير احترافية وعملية، يعني بطريقة عفوية والأحداث في بعض الأحيان تكون غير متناسقة والحبكة غير دقيقة وربما الأمر لا يستمر طويلا.
لكن عندما نجمع بين الموهبة والعلم نصبح نقصص روايات دقيقة وبحبكة قوية خالية من الأخطاء وجاذبة للمشاهد لأطول فترة ممكنة.
لكن عندما نجمع بين الموهبة والعلم نصبح نقصص روايات دقيقة وبحبكة قوية خالية من الأخطاء وجاذبة للمشاهد لأطول فترة ممكنة.
إضافة اذكر انني كنت استمع لداعية مثل العريفي لساعات طوال لجمال سرده و انتقاء كلماته
وعلى الطرف الآخر لا استطيع الإستماع لمذيع الاخبار او لمقدم تلفزيوني الا ما ندر
رغم المحاولات الفاشلة للقنوات بإحضار الغواني الفاتنات لجذبي الا اني لا استسيغهم لثواني معدودة
أستطيع أن أقول لك سرّ الخلطة التي لا يمكن أن تفشل نهائياً، على الراوي دائماً أن يحتفظ بهاتين العاملين معه في أي قصة يبنيها ويحاول تركيبها، العامل الأول طبعاً أن يُركّز دائماً على الصراع وهذا الصراع يجب أن يكون واضحاً، صراع بين إنسان وإنسان، صراع بين إنسان وشيء، صراع بين إنسان وظرف، صراع بين إنسان وفكرة ..إلخ، المُهم أن تكون فكرة هذا الصراع موجودة وواضحة، فالمعنى كله سيُبنى عليها، وطبعاً مع الحفاظ على تفاصيل دقيقة تجعل من مشاهد مراقب لسياق الأحداث وغير مُتوقِّع لها، وثاني الأمور طبعاً وهذا الذي يغفله الكثير من الكُتاب والرواة هو أن تبني شخصية معقّدة، أن تبني شخصية مركّبة، شخصية حتى لو كنّا نراها كل يوم، يعني لو كانت موظف في دائرة حكومية، يجب أن تحوي على جوانب فيها غرابة، فيها تحدّي، فيها عامل يجعلها تتفاعل مع القصّة وتدفع الأحداث للأمام، الغرابة تربح دائماً في الحكاية، والغرابة بنت الشخصية باعتقادي.
الأول طبعاً أن يُركّز دائماً على الصراع، وثاني الأمور هو أن تبني شخصية معقّدة
جميل، هل لك ان تشركنا مثال واقعي بحكم خبرتك؟
مثلاً ما السرّ الذي جعل فيلم كالجوكر بحكاية بسيطة جداً أن يحقق نتائج مهولة بنسب المشاهدة والاستمتاع؟ الأمر يعود إلى هذين الأمرين بالضبط، فالفيلم وخاصّة الذي مثّله الممثل الرائع خواكين فينيكس هو فيلم يستعرض الأمرين بكل قوّة، فحبكة صراعه أعلى من المُعتاد رؤيته، هناك صراعات متشابكة كثيرة مع ذات الشخص، هذه الصراعات هدفها أن تهدم الشخصية، صراع الجوكر مع العائلة، صراعه مع المجتمع والمحيط، مع وسائل الإعلام ورأي الناس، مع مرضه أيضاً، والأهم مع الحياة، حيث يقرر في نهاية الفيلم مغزى الحياة بشكل تراجيدي بحت حين قال: life is nothing but a comedy، الحياة ليست إلا كوميديا.
وفي الشقّ الثاني وبعيداً عن الصراع هناك طبقات الشخصية وتركيبها، هذا التركيب الذي يجعلك تضطّر للحظات أن تتعاطف مع حياة قاتل متسلسل!
إي نعم وهناك كذلك من يتكلم قليلا ويقول كثيرا، وهنالك العكس.
وأحسب أن الإبداع والنظر بشكل مختلف وعرض الأمور بشكل مختلف يجاذب الأذهان ويأخذ بالألباب لهي ملكة تنمى بالممارسة وتعلّم مبادئ التفكير السليم والمنطقية البسيطة الراشدة.
1- التعرف عن أساليب (طرق ومنهجيات) التفكير المختلفة وكيف ولم تتباين عن بعضها البعض. وأرشح لك علم جميل جدا أحسب أن لا غنى عنه البتة (وأعلم أنه مذكورا نصا بالقرآن الكريم بل وذكر تطبيقاته مليئة في آيات شريفة عديدة جدا) وهو يسمى "systems thinking" وأرشح لك تحديدا متابعة أعمال وكتابات أحد أشهر رواده وهو الفيسلسوف والأستاذ الأكاديمي والخبير راسل إكوف (Russell Ackoff)
وبالمناسبة استمع إليه وهو يتكلم هو نفسه وأخبرني إن كان من الذين "يتكلمون قليلا ويقولون الكثير" أم لا.
2- التطبيق والممارسة لهذا المباديء الفكرية وأدوات التحليل والتركيب لنظم المعاني والنظر بشكل مختلف للأمور (والتي سوف تنعكس على طريقة تفكيرك أنت ومن ثم تنعكس في كتاباتك وكلامك مع الآخرين، وما "الحكمة" إلا "وضع الأشياء في مكانها السليم وعلى وجهها وفي محلها"؟)
أعتقد أنها موهبة ومهارة تقوم على بعض الأسس.
لا شك أن بعض الناس يملكون موهبة فريدة بسرد القصص، وآخرون يفتقرون إلى هذه الملكة. لكن لا شيء مستحيل بالتدريب، حيث يمكنك اكتساب هذه المهارة إذا بذلت الجهد اللازم في تعلم تقنياتها.
هناك قناة يوتيوب عربية اسمها (كاريزما) تقدم حلقات تشرح خلالها بعض أسرار الإلقاء الجيد، وتقنيات التأثير في الحاضرين، وكيفية سرد المواقف المضحكة، وغير ذلك.
التعليقات