نُراقب جميع أيدولوجيات دول العالم ومجتمعاتها، نراقب كيف الجميع يتحرك ويُفكّر، هل عقدنا الاجتماعي البشري يجب أن يُضبط ويُدار ليقوّم أخلاق الناس؟ أم عليه أن يكتفي بقوانين الدول المدنية فقط: قانون العقوبات؟.
بعيداً عن السياسة والدين، هل الدولة معنيّة بإدارة أخلاق الناس؟.
القوانين فى حد ذاتها لا تكفى لإدارة أخلاق الناس وردعهم عن الفعل الخاطئ ، فالقوانين تكون فى نهاية المطاف ، لذا لابد من وجود أكثر من وازع داخلى وخارجى يمنع المرء من فعل الأشياء غير الأخلاقية .
مثل التربية والتعليم والدين وأعراف المجتمع ، وكل هذه العناصر فى مجملها ترسم حدوداً لا يتجاوزها الإنسان مروراً إلى حدود غيره إلا بخير .
هُناك أمرين لم أفهمه من كلام حضرتك، كيف سنُدخل عامل التربية في منظومة حكومية تتعامل مع أشخاص فوق العمر القانوني وغير منضمّين لأكاديميات جامعية أو مدرسية؟ وفي ظل دول مدنيّة تقبل الاختلاف على الجميع ويجب أن تؤسس على القانون، لا يمكن نهائياً استخدام الدين في ضبط البشر، ناهيك على أنّ هذه ليست وظيفته بالمقام الأوّل.
ذلك أمر يحتاج بعض الوقت خصوصاً فى مجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية والتربية عامل لا يدمج ولكن يكون مع التنشئة الأسرية من البداية والوعى الإجتماعى بضرورة التنشئة السليمة والتربية .
الأمر الثاني بخصوص الدين فالقانون فى حد ذاته غير كافى للوصول للحالة المثلى من الأخلاق والقيم وكما ذكرت الوازع الداخلى مهم فمثلا: لو حاول شخص السرقة وحالة بلده متهوره ويحتاج المال حينها سينسى القانون .
لكن لو كان هناك له معرفة وتنشئة مع الدين أياً كان دينه فالأديان كله تمنع من السرقة والفواحش وسوء الخلق ، حينها قد يكون ذلك رادعاً له ، لذلك لا مجال لفصل القانون عن الدين والتربية والتعليم .
نحتاج إلى قوانين وتشريعات صارمة تحفظ للحقوق وتوضح الواجبات والخصوصيات العامة والخاصة، شريطة أن يصاحب ذلك نشر المزيد من التوعية الدينية والاخلاقية وتفعيل دور العبادة لجذب الشباب للحين الدينية مما يساعد في تطبيق تلك القوانين، فبدون وازع ديني وضمير أخلاقي ستجد العقول تفكر في كيفية الاحتيال على القانون وليس كيفية الرقي بالقيم.
الدولة الحديثة في الغرب هي المربي للأنسان حتى اخلاقيا. تنشأ الاخلاق والقيم اولا من الامور التي يتعلمها الانسان في المدرسة. ثم يأتي دور الاخبار والقنوات الأخبارية. ثم هناك الروح العامة في المجتمع من حين تحديد ما هو المقبول وغير المقبول اخلاقيا. ارى ان الدولة معنية بأخلاق الناس ويجب التعامل مع هذا الموضوع على انه واحد من الاولويات. الاخلاق و اللغة والعادات و التقاليد و الحفاظ على الروح الجميلة وزرع فكرة التطور و النهضة هذه امور يجب ان تدار بمستوى هيكلي تنظيمي اي على مستوى دولة. و حينها فقط يصبح الانسان فخور بانتماءه الى شعب ما او حضارة ما او ثقافة معينة. لان جميع افرادها يتشاركون ذات القيم العالية و يعملون معا لكي يسود الرفاه.
هل قيم الحق والخير والجمال وظيفة حكومية؟ أعتقد أنّ إعتماد جواب حضرتك بهذه السهولة سيصعّب مهمة الحكومة إلى درجات عالية جداً من الصعوبة والحساسية، حيث ستضطر الحكومة إلى تغيير كل أساسها من الصفر وبناء السلطة كلّها على أساس فلسفي وبقيادات فكرية فلسفية بالمقام الأوّل.
هذا ما لن يحصل وإنّ حصل فسيتطلّب مجتمع جاهز للتنوير ومؤهّل تعليمياً لفهمها، الأمر مُعقّد بهذه الطريقة وغير عملي بنظري، لذلك أميل إلى أنّ وظيفة الدولة الضبط والوقاية، لا إعادة الضبط لكل معايير المجتمع الروحية والأخلاقية والتحكّم في هذه الأمور الفردية الخاصّة.
ما ينقصنا هو تطبيق تلك القوانين، أما عن نصوص تلك قوانين المتعلقة بالأخلاق فهي موجودة في الدستور.
ومن ناحية أخرى قد لا يمكن أن نلقي اللوم عن تلك القوانين، في حين أن دور الجماعات الاولية والمحلية مهمة لدورها وبداية من ذلك هو الأسرة التي لم تعد تتحكم في سلوك أبنائها، يلي ذلك المدرسة الذي يعتبر دورها اليوم مغيب نوعا ما وصولا الى الحي والجيران، تغير الزمن وتراجعت المسؤوليات.
هل تعتقدين وتفضّلين أن يتم تنسيق الدور المدرسي والجامعي من حيث التعليم والمناهج ليناسب خطّة الحكومة بمقاومة الفساد أو المشاكل الأخلاقية في نطاق معيّن؟
هى قضية جدلية ، فإذا أفترضنا أن الإجابة بنعم ،فإلى اى حد سيكون التدخل ، ووفقاَ لاى مرجعية ، أعتقد أن دول الدول يتمثل فى ضمان تحقيق أطر تساهم فى وجود أفضل ممارسات للسلوكيات العامة ، وإن كانت تلك أيضا قد تجد تطرفات فى التنفيذ ، فهناك دولة قامت بمنع مضغ اللبان ، ومنع استيراده ، كان السبب هنا أقتصادى ، ولكنه مؤثر ى التصرفات وحرية السلوك ،لذا فوجود الدستور أمر هام لتحديد مثل تلك الأمور.
ووفقاَ لاى مرجعية
أعتقد أنّ السلبية التي تتكلّمين عنها حضرتك إنطلاقها يبدأ من هذا السؤال وهذا الأساس، أشعر بأنّ أيّ خراب مجموعي على مستوى البنيان الاجتماعي يكون أساسه أيدولوجي بحت وتبنّي فكرة مجموعية لمجتمع صغير، حيث يقبل معظم الموجودين على أمر ما يُعمم على الأخرين ويحكم سلوكياتهم، وهذا ما لا يجب أن يحصل بأيّ حال من الأحوال وأن تبقى البوصلة برأيي القيم الإنسانية وفقط.
ومن الذى يحدد مبادىء الإنسانية والقيم من وجهة نظرك ، فبالنسبة لبعض الدول الغربية ، السماح بالمثلية ، أمر يأتى ضمن منظومة القيم الإنسانية العليا المتعلقة بالحرية ، وبالنسبة للكثير من الدول الأخرى ومن بينها روسيا ، فالمثلية إنتهاك للقيم الإنسانية ولطبيعتها ، إذن أياَ منهما هى القيم الإنسانية التى يجب الحكم وفقاَ لها .
القيمة الإنسانية واحدة لا تتبدّل نهائياً، فمثلاً في هذا الموضوع هي الحرية، وإن راقبت التفاعل وردّ التفاعل بين الأمرين، تجدين أنّ هناك خللاً في التعاطي مع القيمة الإنسانية، فالاثنين يمارسون ضعوطاً كبيرة على الناس، ويتضادّون مع الحرية التي جعلوها رأس هرمهم وقيمتهم الإنسانية، لذلك وقيسي على ذلك تأتي كل المواضيع الأخرى، القيمة ثابتة والموضوع متغير أو تعاطينا كلّه متغير وهذا ما يجعل الأمر مُشوّش علينا.
وأين حرية من يرغب فى أن يعيش فى مجتمع متوافق مع أخلاقياته ، وأين حرية من يرغب فى ألا يتم تدريس مواد غير أخلاقية من وجهة نظره لأبنائه ، التمادى فى الحرية قد يخرجنا من فئة الإنسانية فنصبح مثل الطيور الهائمة بلا وجهة .
لا يوجد شيء يُسمّى تمادي في الحريّة، هذا مقياس عربي للأمور، ومقياس سلبي، فالحريّة لا زالت في الموقف العربي إلى هذا اليوم بمعناها الباطن: الخلاعية وقلّة الأخلاق - ولذلك معظمنا من العرب نستخدم كلمة التمادي في الحريّة بدلاً أن نقول التعمّق والإمعان في الحريّة والمبالغة بها، كلمة تمادي تدلُّ على فهمنا المغلوط أصلاً لكلمة حريّة وأننا بحاجة إلى إعادة تأصيلها في العقل الجمعي العربي.
التعليقات