سؤال لطالما حيرني كثيرًا، ف لا أعلم لماذا بعضنا يتشبث برأيه وقناعاته، ولا يقبل عقله أن يكون منفتحًا على الحقائق والأدلة، الامر الغريب أن هذا لا يتوقف على فئة من الناس بل هناك نسبة لا بأس ومن الفئات المختلفة. فيا ترى ما السبب الذي يجعلهم مقتنعين بآرائهم رغم أنها لا تمت بالواقع صلة؟ لماذا نجد صعوبة في اقناعهم بتغيير اراءهم؟
لماذا من الصعب إقناع الآخرين بتغيير آراءهم؟
حسب كتاب The catalyst للكاتب جونا برجر يعود الأمر إلى عدة عوامل:
المسافة Distance: فمثلا هنالك من لا يريد أن يخرج من منطقة الراحة الخاصة به comfort zone
عدم اليقينIncertainty: فهنالك من ينتابه الشك تجاه الشيء الغريب عنه والجديد عليه.
المقاومة Reactance: هنالك من يرى أنه كلما أقنعته برأيه تجده في الاتجاه المعاكس للرأي.
التعلق Endowment: هنالك من يتعلق بآرائه و ممتلكاته ويرون أنها هي الأفضل دومًا، لهذا لا يتقبلون اراء غيرهم.
السبب الأول في رأيي هو أننا ننظر للعالم ونحلله من خلال عقولنا، بالتالي هي مصدر ثقتنا الوحيد وأي شيء تتقبله أفضل من أي شيء يتقبله شخص أخر لا نعرف ما يدور بداخل عقله.
وكذلك فالناس بشكل عام إن كانوا من المنطقيين المحللين بشكل كبير فهذا سيجعلهم أكثر ثقة بآرائهم وأصعب في تغييرها، وإن لم يكونوا فهذا سيجعلهم لا يرون المنطقية في رأيك بفرض أنه منطقي ولن يقتنعوا به أيضًا، أترى المعضلة؟
الأمر الأخر والذي أعتقده الأهم هو أنه لا يوجد أبيض وأسود بل هي درجات من الرمادي، بالتالي فآراء الناس بها بعض الصواب والخطأ ورأيك كذلك ومن الصعب إذن أن نغير من رأي مشابه لرأي مشابه خصوصاً أن معايير الصواب والخطأ نفسها نسبية.
والنقطة الثالثة أن الإنسان منحاز بالفطرة ينحاز لبيئته وأفكاره ومشاعره وتجاربه الشخصية ومن الصعب إقناع شخص أن المتوسط لا يشبه تجاربه، فهي بوابته على العالم أولًا وأخيرًا.
رغم هذا فأحيانًا أتمكن من إقناع شخص ما بتغيير رأيه، ليس في مسألة حياتية أو فكرية ضخمة بل في بعض الآراء الصغيرة عن طريق إعطاء الحجة المنطقة أو العاطفية الواضحة التي من معرفتي به أعرف أنها مدخل لفهمه وآراءه، وهذه النقطة: ليس كل ما سيغير رأي شخص مؤثر من الأصل مع شخص أخر، فلكل إنسان طريقة خاصة به لإقناعه.
ذات مرة قرأت دراسة أجريت في هذا الصدد ببريطانيا، الدراسة أجريت بالتصوير بالرنين المغناطيسي
ويقول العالم المسؤول عن الدراسة "وجدنا أنه عندما يختلف شخص ما ، يفشل دماغه في فك شفرة جودة الرأي المخالف الذي أعرب عنه الفرد الآخر ، مما يمنحه أسبابًا أقل لتغيير رأيه".
وفي رأيي أنه إن كان الشخص الذي أحاوره ذا علم فسأحاول تحليل رايه, وربما تغيير رأيي أنا, لكن إن كان غير ذلك صدقني لن أحاول إقناعه, سيغلبني حقا فمعظم الأغبياء واثقون كليا من رأيهم.
تلك الآراء التي نرغب أحيانا بتغييرها عند الآخرين وغالبا نفشل هي ليست مجرد آراء وحسب.
بل أصبحت معتقدات وقناعات، وقد تشكلت مع مرور الوقت وليست وليدة اللحظة، وإنما مبنية على تجارب وقصص ومواقف وحتى قراءات، فلن يغيروها بسهولة لمجرد حديث شخص آخر.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، نحن لا نغير آراءنا لأنها لا تعجب الآخر فقط، بل نغيرها في حالات الإدراك العميق بخطئها أو عدم نفعها لنا.
يمكنني تغيير رأيي حين يصف الآخر تبعات رأيي وأصل إلى إدراك عميق أنني على خطأ، أما أن تكون آراءنا هكذا على شفا جرف هار ومعرضة للسقوط، فهذا سيتعبنا جدا.
الانعزال عن التفكير النقدي طويل الأمد جدير بأن ينهي مسارنا الفكري بأكمله. هذا جانب. أمّا الجانب الآخر، فهو الطرف الآخر من الأمر، حيث يعاني معظم الناس من هوس إقناع الآخرين بتغيير الآراء. هذه الأمور لا تمتلك ولو قدر بسيط من الأهمية، فتغيير آراء الآخرين ليس بالأمر المهم على الإطلاق، لأن الآراء لا تتأتّى إلّا من التجربة الذاتية للإنسان وسماته الشخصية، والمزيج الذي يخرج من كلا العنصرين. أمّا العمل على تغيير ذلك، فهذا بالنسبة للعديد من البشر أمر لا جدال فيه، ولا طائل منه. أنا عن نفسي لا أحاول مطلقًا أن أغير قناعات أي شخص، لأن الأمر لا يعنيني أولًا، ولأن الآخر لن يقدّس سوى رؤيته في المقام الأول.
السؤال الحقيقي الذي يراودني للأمانة هو رغبة أي شخص بتغيير آراء الناس، ما الذي يدفعنا إلى الانزعاج بسبب تشبّث شخص في رأيه حتى ولو كان 100% مغلوطاً؟
أنا لا أرى بالأمر أي مشكلة، إلا في حال كان يُهدد بخطر جسدي على شخص كما صار بالأراء المُتطرفة التي قتلت أخيراً المُفكّر فرج فودة في مصر، فقط بهذه الحالة قد أحتاج لتغيير أراء الشخص.
، ما الذي يدفعنا إلى الانزعاج بسبب تشبّث شخص في رأيه حتى ولو كان 100% مغلوطاً؟
كيف لا يؤثر إذا كنت أود أن أقنع شخص ما بوجهة نظري لحل مشكلة معينة وهو يرفض ذلك كونه متشبث برأيه
أنا لا أرى بالأمر أي مشكلة، إلا في حال كان يُهدد بخطر جسدي على شخص
إن لم نستطع اقناع الشخص بالحقائق فبالتأكيد سيكون هنالك خطر جسدي مستقبلا.
هو يمارس ذات دورك، بأنّهُ يريد منك أن تقتنع بما يقتنع هو، فما الذي يجعل منك أنت صاحب الحق وهو على الباطل؟ أنا للصراحة أميل إلى طريقة تفكير الكاتب حسن سامي يوسف حين وضع في بداية تتر مسلسل "الندم" هذه العبارة التي رأى بأنّها العلاج الرئيسي والأهم للأزمة السورية: (قد تكون على صواب لكن هذا لا يعني أنني على خطأ).
التعليقات