مرّ ثلث الشهر الكريم. كل عام وأنتم بخير.
لقد لاحظتُ خلال هذه المدة أننا نعاصر فترة غريبة علينا بعض الشيء في سياق التواصل الاجتماعي، وذلك نظرًا لكونه أحد الصناعات التكنولوجية الرئيسية في الوقت الحالي.
أرى أن معدلات الزيارات قد انخفضت إلى حد بعيد، خصوصًا في الموسم الرمضاني الذي لطالما تميّز بمثل هذه الطقوس العائلية الفريدة.
هل ترون أن التكنولوجيا أثّرت على معدّلات الزيارات الرمضانية والطقوس العائلية المعهودة؟ أم أن هنالك أسباب أخرى؟
هذا صحيح علي، في السنوات الآخيرة بدأت أشعر ان شهر رمضان افتقد لمة العائلات والسهرات الرمضانية التي كنا نقضيها مع بعضنا البعض كعائلات. اليوم الكل غير متفرغ، التكنولوجيا أصبحت تسرق وقته، وأصبح شهر رمضان الذي كان يتميز بتكاتف العائلات إلى جانب بعضها البعض واللحمة الاجتماعي بالشهر العادي مثله باقي الشهور للاسف.
عندما كنت صغيرة، كنت أتذكر أننا نجتمع جميعًا من أخوتي ووالدي وأعمامي وجدي وجدتي في بيت العائلة الكبير لتناول طعام الافطار وقضاء سهرات رمضانية. اليوم الأمر اختلف تمامًا. اشتقت إلى تلك الايام. ربما ما زالت هناك عادة ما زالت موجودة وهي القيام بعزومات وإن خفت في الآونة الآخيرة ولكن تبدو الشيء الجميل والوحيد في رمضان الحاضر.
ما عنيته في هذا الصدد هو أننا جميعًا نلاحظ هذه الظاهرة، لذلك فالأجدر بنا أن نتدارك أسبابها. من جهتي، أرى أن التكنولوجيا، وهنا أعني منصات التواصل الاجتماعي بالتحديد، قد وضعت بعض الأطر والأدوات التي رفعت من معدّلات التواصل الافتراضي بيننا. لكننا من جهة أخرى استبدلناها بالوسائل الواقعية، حيث أننا اتبعنا المنهج نفسه في تكميم مشاعر الارتباط والألفة مع الآخرين، وأصرّينا على اختزالها في التواصل الافتراضي، وبالتالي فقد تولّد لدينا شعور بالاكتفاء العاطفي، ولم نعد في معظم الأحيان في حاجة إلى التواصل الوافعي مع الآخرين من أفراد العائلة مثلًا. هل توافقينني أن هذا يعد سببًا مقنعًا لهذه الظاهرة؟
للتكنولوجيا تأثير بالفعل فهناك اللقاءات الافتراضية عبر منصات التواصل الاجتماعي والتي تفرغ شحنات الاشواق وانتظار اللقاء وايضا تؤدي الغرض الذي كانت بعض الزيارات تتم من أجله. ولكن هل يكفي ذلك في حال زيارة الأرحام والاصدقاء؟
بالطبع الارحام يحتاجون الى من يرأف بهم ويزورهم ويرفع من شأنهم ويحنو عليهم ومهما كان التواصل الاجتماعي فريدا وغزيرا فانه لا يكفي ابدا. لذا فان التقنيات الحديثة اثرت بالفعل على عدد مرات الزيارات وجودتها وكذلك قللت من الحماسة للقيام بها.
ولا ننس تداعيات جائحة كورونا والتي تعود الناس فيها على انهاء كل شيء اجتماعي من خلال التكنولوجيا فكان يكفي فتح الكاميرا والمايك لكي تتم الزيارة الافتراضية وحتى الاجتماع الافتراضي وانتهى عهد السلام باليد والقبلات وما الى ذلك من عادات سابقة. لذا لقد القى هذا بثقله في مسأله الزيارات الاجتماعية.
هذا هو تمامًا ما عنيته يا صديقي. وبما أنك ذكرتَ أزمة جائحة الكورونا، فهو بالتأكيد مدخل حقيقي لنقاشنا يجب ألّا نقوم بإهماله. أنا أرى أن هذه الفترة بالتحديد هي التي وضعت العديد من الإجراءات الصارمة على البشر بشكل لا واعٍ، وهذا الأمر هو ما آل بنا إلى إهمال بعض الجوانب الاجتماعية الخاصة بالتواصل الواقعي بشكل غير مبرّر فيما بعض، وغير واعٍ أيضًا.
لكن تميل بعض الآراء إلى أن الأمر نتج أيضًا عن بعض الضوائق المالية وعوامل التضخم التي أثّرت على الدخل العالمي بأكمله. لكنني لا أميل إلى الاعتقاد بأن هذا الرأي صائب، لأنها ببساطة ليست الأزمة الأولى من نوعها التي نتعرّض لها، فهل تتفق معي أم أنك ترى أن عامل الأزمة الاقتصادية العالمية يلعب دوره في هذا الأمر أيضًا؟
على الصعيد المجتمعي لا اميل الى نظرية الاقتصاد وخاصة اننا في 2008 وان تذكر عبر العالم بكارثة اقتصادية وصلت الى اعلان البنوك افلاسها وربما كانت سيئة بقدر تداعيات كورونا لكن الامور لم تكن بهذه الصورة من جراء التأثير التكنولوجي الذي كان هو الملاذ الاول والاخير للعالم في معالجة الجائحة وبل ان مجلس الامن الدولي كان يعقد اجتماعاته عبر منصات الزووم وكذلك الشركات العالمية فما بالك بالتاثير المجتمعي.
اعتقد ان سلوك الناس سوف يختلف مع الوقت وباتجاه الرقمنة الاجتماعية والاتمتة في العلاقات ويبتعد عن تلك العلاقات المباشرة وهذا ايضا له علاقة بسرعة وتيرة الحياة وتوفر أدوات الاتصال والتواصل عن بعد والتي يراها الكثيرون انها مثمرة وغنية وتعتبر البديل المقبول.
قد حصل هذا التأثير، وان كان السبب الاول هي التكنولوجيا، بعدها جاءت جاىحة كورونا التي قلت فيها الزيارات بشكل كبير، فقد تعودت العائلات المكوث في المنزل، بعدها جاء رمضان مع فترات العمل، فأغلبية الاشخاص يعملون صباحا لذلك لم يعودوا يطيقون الخروج ليلا لزيارة وتفضيل النوم من اجل استجماع الطاقة ليوم غذ وهكذا.
التعليقات