قُل لِمَن يَبكي عَلى رَسمٍ دَرَس
واقِفاً ما ضَرَّ لَو كانَ جَلَس

قد تذكركم هذه الأبيات بأبيات أخرى أشهر من نار على علم، وهي مطلع معلقة امرئ القيس الشهيرة "قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل"، من أشهر المقدمات الطللية في الشعر العربي، فكيف سخر منها أبو نواس في شعره ؟

في الأبيات السابق عرضها، يخاطب أبو نواس امرأ القيس ساخراً من مقدمته ووقوفه للبكاء على الأطلال، وهو من الثوابت في الشعر العربي القديم حيث استهلّ أهم الشعراء معلقاتهم وقصائدهم بها مخلفين لنا أجمل الأشعار والمشاعر.

والجدير بالذكر أن تلك الأبيات ليست الأبيات الوحيدة لأبي نواس والتي يقوم فيها بانتقاد هذه المقدمة، فقد اشتهر بثورته عليها ودعوته للتجديد في الشعر العربي عبر إلغاء هيمنتها، وهو القائل :

أَيا باكِيَ الأَطلالِ غَيَّرَها البِلى
بَكَيتَ بِعَينٍ لا يَجِفُّ لَها غَربُ
أَتَنعَتُ داراً قَد عَفَت وَتَغَيَّرَت
فَإِنّي لِما سالَمتَ مِن نَعتِها حَربُ

علة أبو نواس في ذلك هو تغير الحياة والبيئة المحيطة بالشاعر فما عادت المقدمة الطللية تتناسب مع مقتضيات العصر والحياة والأدب آنذاك، فهل كانت دعوته محقة حقاً، أم أنه استحلى الضرب في الأصالة الشعرية العربية وغيّب هويتها، وهل الأدب بحاجة إلى ديناميكية تجديد مستمرة أم أن الحفاظ على الأصالة والرسم القديم هو ما يمنح الأدب العربي تميزاً على بقية أعراق وأجناس الأدب المختلفة ؟