"أعتذر لقد زلّ لساني" .. هل هي زلة لسان فعلاً ؟ أم أن ما قلته لم تقله عبثاً بل كان يختبئ في قلبك عميقاً؟ هذه التساؤلات كما راودتني وربما راودتك أيضاً، فقد راودت معشر الشعراء من قبل وتناولوها في عدة أبيات .

اللسان هذه العضلة الصغيرة في كهف الفم .. له وقع كوقع القنابل والبارود، وليس أكثر من قول رسولنا الكريم في حديث له مع معاذ بن جبل : "... وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم ." صحيح الترمذي .

أما في عالم الأدب العربي، فقد خصص الجاحظ فصلاً كاملاً في كتابه البيان والتبيين بعنوان : "ذكر ما قالوا في مديح اللسان" وذكر فيه أشهر الأبيات التي قيلت في هذه العضلة الصغيرة التي لطالما أوقعتنا في مواقف لا تنسى، هل مررتم يوماً بموقف محرج أو مؤلم كان السبب فيه زلة لسان؟ 

لَا يعجبنك من خطيب خطْبَة 
حَتَّى يكون مَعَ الْكَلَام أصيلا
 إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا 
جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا

هذه الأبيات للأخطل يخبرنا فيها أن اللسان كالبوابة التي تخرج منها مكنونات قلوبنا للعلن، وأن هذا اللسان هو دليل القلب، فمهما جمّلناه ولوّنّاه لابد أن يكون يوماً شاهداً على حقيقة دواخلنا، فاضحاً وصريحاً، من جهة أخرى يتفق الكثيرون على أن الكلمات التي تخرج منا عند الغضب تكون صادقة مهما كانت قاسية، هل تتفقون مع هذا الرأي ؟ وهنا أنقل لكم رأياً لمصطفى محمود :

إن الكلام يتدفق بسرعة عندما يحس القلب بالأذى .. وهو أسرع من الشلال عند مخارج المياه .. فأحذر من الاندفاع ساعة الغضب .

من جانب آخر، نحن نتأثر بالكلمات خلال حياتنا، فكلمات تحيي قلوبنا وكلمات أخرى تكسرنا، وكلمات تزول سريعاً وكلمات لا تُنسى، وكلمات تؤثر في قراراتنا وكلمات تقتحم أفكارنا، وكأن ما نحن عليه الآن هو نتاج تأثير عدد من الكلمات التي تلقيناها طوال حياتنا، وأحياناً يكون للسان وقع كوقع السيف في حدته يقول يعقوب الحمدوني :

جِراحات السِّنانِ لها التِئامٌ 
وَلا يلتامُ ما جَرَحَ اللسانُ 
وَجرحُ السيفِ تدملُهُ فَيَبْرى
 وَيبقي الدهرُ ما جَرَحَ اللسانُ

ما رأيكم، هل اللسان يخون صاحبه أحياناً ليفضح ما بداخله؟ ومتى يعبر لسانك عنك ؟