إذا المرءُ أبدى فيك فَرْطَ مَحبّةٍ 
وبالغ في بذلِ الوِدادِ وأكثَرَا 
فإيّاك أن تغترّ مِن بَذْلِ وُدِّه 
ولو مدّ ما بين الثُّريّا إلى الثَّرَى 
فما حبُّه لِلذّاتِ فيكَ، وإنّما 
لأمرٍ إِذا ما زال عنك تَغَيَّرَا

وضعت بين يديكم أبياتاً للأديب و الشاعر الدمشقيّ ابن خطيب داريّا، و التي ما إن هممت بقرائتها حتى شدّني ما جاء فيها .

ويبدو لنا جليًّا أن جمال الدين أبو المعالي والملقّب بابن خطيب داريّا يوجه نصيحته لعامة الناس، فقد حذّر من الاغترار بمفرِط الودّ الذي يبالغ في إظهار محبته للناس، لأنه وحسب قوله إنما يحبّ لمصلحة في نفسه إذا ما انتهت سارع في الزوال، وليس حباً لِذات محبوبه بكل ما فيها من سمات .

نحن البشر بشكل عام نختلف في طريقة تعبيرنا عن حبنا، فهناك المتحفظ في إظهار مشاعره، وهناك من لا تنقضي دقيقة من يومه إلا وقد أخبرك كم يحبك وكم أنت مميز لديه، فمن المجحف أن نعامل الكل بهذه الريبة التي دعانا إليها الشاعر، ما رأيكم أنتم ؟

من ناحية أخرى، يوجد حولنا أولئك الأشخاص الذين اتخذوا من عبارات الود و الهوى سبيلاً للوصول إلى مبتغاهم، فتجد ذلك الإبن الذي يتودد لوالده طلباً للمال، و ذلك الصديق الذي لا يظهر إلا عندما يحتاج أن يستدين منك، و كأن المحبة جاءت مشروطة بالمصلحة الشخصية للأفراد.

إذاً، أستطيع القول أنني قد توصلت أخيراً إلى نتيجة مقنعة إلى حد ما، وهي أن الأبيات تناقش حكمة حياتية لها أهميتها في واقعنا، ولكنها لا ترقى إلى أن تكون قاعدة عامة تحدد علاقات البشر أجمعين .

صحيح أن الشاعر قد ألقى أبياته وخلّف في رؤوسنا عشرات التساؤلات الدائرة حول مغزى الأبيات، وحول صحة ما جاء فيها من توجيه، و لكنني هنا أتوجه إليكم بالسؤال .. هل توافقون قول الشاعر؟

و إذا ما واجهتم ذلك الشخص الذي يبالغ في إظهار مودته ويغدق عليكم بالهدايا وعذب الكلام، هل تحسنون به الظن أم تساوركم الشكوك حول صدق مشاعره ؟