يقول المتنبي في بيت شهير:
إذا رأيت نياب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
أراه بيتا حكيما، مفاده ألا ننخدع بالمظاهر,
ماذا ترون أنتم؟
ليس كل من يبتسم بوجهي أعتبره صديقي، ويهتم لأمري، فمن الممكن أن يبتسم بوجهي لكنه يضمر الشر في داخله، ما نلاحظه أن الكثير من أبيات الشعر تدور حول خداع المظاهر، هل سألنا أنفسنا لماذا؟ لأنه من السهل جدا على الإنسان أن ينخدع بالمظاهر، خاصة لو كان يتصف بطيب القلب، فالابتسامة لاتعني القبول والحب. فلا تغرنك المظاهر ..
في الحقيقة غالبا المظاهر لا تدل على سعادة الإنسان أو شقائه، لذلك ليس من حقنا أن نحكم على سعادة الإنسان من خلال مظهره،أو نحكم عليه بحزنه، وكما أشرت يافردوس لاننخدع بالمظاهر، فالأسد كونه يظهر لنا أنيابه فلا يعني أنه يبتسم فربما تلك الأنياب تخفي ورائها الكثير، الا ترين معي أن هناك فئة من الناس من تكابد الأحزان والآلام ومع ذلك تظل مبتسمة وسعيدة، ولعل هذا ما أراده الشاعر المتنبي ففي نظره حتى وإن تبسم لا يعني أنه سعيد فالإبتسامة في بعض الأحيان لها دلالات عدة ومعاني كثيرة،
لطالما استشعرنا مثل هذه الحكم والمعاني في شعر المتنبي أليس كذلك ؟
الا ترين معي أن هناك فئة من الناس من تكابد الأحزان والآلام ومع ذلك تظل مبتسمة وسعيدة، ولعل هذا ما أراده الشاعر المتنبي ففي نظره حتى وإن تبسم لا يعني أنه سعيد
نظرة أخرى للبيت من زاوية مختلفة، لكنني أخالفك هذا الرأي لا أعتقد أن هذا ما قصده المتني حقا. لأن الليث سيهاجم الإنسان، لذا فأراه أقرب إلى تشبيه المنافق المجامل منه إلى المبتسم الصبور، كما أن كلمة "نياب" حسب ظني لا تتوافق مع ما قلته. هذا حسب رأيي المتواضع.
لطالما استشعرنا مثل هذه الحكم والمعاني في شعر المتنبي أليس كذلك ؟
أجل، و هذا ما يعجبني في شعر المتنبي، أذكر هذا البيت مثلا:
إذا أكرمت الكريم ملكته
و إذا أكرمت اللئيم تمردا
نعم يا فردوس، إن للشعر دلالات عدة يحاول من خلالها الشاعر أن يعبر عن ألف معنى، نعم ما قلته أنت دلالة أخرى فيما نرى أن الشاعر قد قصده، وفي نظري أنا أيضا أن صورته سعيد ومتفائل لايعني أنه لا يكابد مرارة الأحزان فمظهره الدال على الفرح والتألق لا يعني أنه سعيد، وربما يقصد هنا بالأنياب أسنان الإنسان الذي تبرز أسنانه عندما يضحك ولكن لا تعني أسنانه البارزة أنه يضحك من أعماق قلبه فهو رغم ذلك شقي وحزين، ولكن لايعني ذلك أن ماشرحته خاطئ بلا فهي دلالة أخرى أيضا في محلها، لقد سبق وقلنا أن أشعار المتنبي تتمتاز بالحكم والمعاني الدلالية فكل عبارة يمكن أن نستنبط منها عدة دلالات.
الا ترين معي يافردوس أن أشعار المتنبي تمتاز بالحكمة،
هذا البيت أيضا يمتاز بدلالات ايحائية، إذا أكرمت الكريم ملكته، بالفعل الكريم يزداد تكرما كلما أكرمته، فأنت بإكرامك له تملك قلبه وحسن أخلاقه، عكس اللئيم كلما أكرمته تمرد عليك واستغل طيبتك وكرمك، هناك قلوب إذا أكرمتها عاملتك بجفاء وهناك قلوب كلما أكرمتها إمتلكت حسن أخلاقها ومحبتها.
يعجبني هذا البيت أيضا للمتنبي، " قل للشامتين بنا أفيقو** فإن نوائب الدنيا تدور "
صحيح تماما، ألاحظ هذا في مجتمعنا، و قد صوره المتنبي في بيت هو آية في الجمال و البلاغة. كما ألاحظ نغما موسيقيا هنا، أيوجد حقا؟ خاصة كلمة "تمردا"
يعجبني هذا البيت أيضا للمتنبي، " قل للشامتين بنا أفيقو** فإن نوائب الدنيا تدور "
آه، ذكرتني بهذا البيت الرائع، أراه تلخيصا للتاريخ بأسره. لا يجب أن يغتر القوي بقوته فقد تنقلب عليه ضعفا، و لا الغني بماله فقد يفقده. يا لفصاحة و حمة المتنبي!
شكرا لك.
نعم، هذا ماقصده الشاعر المتنبي في أبياته،
إن قصائده مميزة جدا، حسنا يافردوس، لقد ناقشنا أبيات لمحمود درويش، الشاعر المعاصر وناقشنا أبيات للمتنبي الشاعر العباسي، مارأيك في هذا الفرق وهذه المعاني أو بالأحرى أيها أعمق هل الشعر المعاصر أم الشعر العباسي.
في الحقيقة أرى أن الشعر العباسي قوي، لا أعرف كيف أعبر عن ذلك، لكنني شعرت بقوة و فصاحة و نغم موسيقي في شعر المتنبي. بالمقابل شعر محمود درويش يتميز بالبساطة الأنيقة، مرة أخرى لا أعرف ما إذا كنت قد فهمت قصدي، كما أن شعر محمود درويش أراه يتميز بإخفاء دلالت رمزية في شعره، كقصيدة "أنا يوسف يا أبي" أو "أيها المارون بين الكلمات العابرة" تحتاج لتفكير و تحليل قبل فهم ما يقصده حقا و إلى ماذا كان يرمي، ما هو أشبه بتحد لذكاء القارئ، بينما المتنبي يخبرك مباشرة بما يريده دون لف و دوران.
قل للشامتين بنا أفيقوا، فإن نوائب الدهر تدور
مقابل:
أيها المارون بين الكلمات العابرة
خذوا أسماءكم و انصرفوا
هل فهمت قصدي، أعتقد أنني لم أجد الشرح؟
هذا ما أردت معرفته منك،
نعم الشعر الحر سعى إلى توظيف الرموز بدلا من تلك الصور الشعرية التي تحمل ألف معنى، والصور الشعرية هي ما يلحقه الشاعر من لوازم بالإنسان عندما يقول، كالليث يجري، فهو يشبه الإنسان بالليث في حين أن الشعر الحر زاخر بالرموز كما قلت، وتعابيره واضحة مفهومة أما الشعر العربي القديم فهو يحتفي بتعابيره المجازية ولغته الرصينة وصوره الخيالية، ويتميز كذلك بالفصاحة كما أشرت وهو أعمق بكثير من الشعر الحر، لذلك فلعل هذا مايميزه اكثر عن غيره.
في الحقيقة قلت أنني أجد أن الشعر الحر يتميز بدلالات كثيرة بينما الشعر العربي هو الذي يتميز بتعابير واضحة.
إذا لم يكن الأمر كذلك ، فهلا أعطيتني أمثلة تثبت العكس؟
"بالمقابل شعر محمود درويش يتميز بالبساطة الأنيقة، مرة"
هذه مقولتك وكما سبق أن ناقشنا أن شعر محمود درويش ينتمي الى الشعر الحر ورغم رموزه يظل سهل الفهم للقارئ لأن لغته بسيطة،
أما شعر المتنبي فهو ينتمي الى الشعر العربي القديم قبل التجديد، ويمكنك ملاحظة ذلك من خلال الشكل الخارجي، الأول يعتمد على نظام الأسطر الشعرية والثاني يعتمد على نظام الشطرين، بالنسبة لشعر المتنبي يحمل دلالات عديدة تدفع القارئ الى التحليل والتفكير لاستنباط المعنى المراد، في حين أن شعر محمود درويش سهل الفهم ودلالاته واضحة للكل، هذا ما قصدته.
التعليقات