"واحرَّ قلباهُ ممن قلبه شبمُ"

من المعروف لدينا وكما تابعنا في المساهمات السابقة أن المتنبي هجا سيف الدولة بعد أن تركه ولم يدافع عنه في مصر.

هذا البيت هو مطلع القصيدة المعروفة ب"البردة" أو "واحرَّ قلباه" وهي إحدى القصائد التي عاتب فيها المتنبي سيف الدولة الحمداني على سماعه كلام الحاسدين.

ونلاحظ أن المتنبي هنا قد بدأ القصيدة بتأوه يخرج مكنون نفسه ويعبر عن ضيقه وألمه بسبب حبه لسيف الدولة الذي لا يبادله هذه المحبة.

ولكن سرعان ما نلاحظ تغير النغمة من العتاب للمديح حيث يتغنى المتنبي بحبه لسيف الدولة في الأبيات التالية للمطلع مثل هذا البيت:

"مالي أكتم حباً قد برى جسدي"

وهنا قد يتعجب البعض من المزيج الغريب ما بين المدح والعتاب وهذا هو ما اعتدنا عليه في شعر المتنبي!

ثم نجد المتنبي كعادته يسهب في مدح سيف الدولة ويبالغ في تعظيمه ووصف أخلاقه وشيمه وقوته الحربية فيقول:

"أكلّما رمت جيشاً فانثنى هرباً

تصرفت بك في آثاره الهمم"

وبعد ذلك يعود مجدداً للعتاب بقوله:

"يا أعدل الناس إلا في محاكمتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم"!

وفي النهاية يسرد مجموعة من أبيات الفخر بالنفس والتي تعد أحد أشهر أبيات الفخر على الإطلاق:

"أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم

أنام مليء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جرّاها ويختصم"

ثم يؤكد على فخره بنفسه على مسامع سيف الدولة والشعراء أقرانه:

"الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم".

قصيدة بها الكثير من المتناقضات ما بين المديح والهجاء، الشكر والعتاب، الفخر والألم، ولكن ما أرغب في معرفته هو هل يستطيع أي شاعر أن يجمع المدح والهجاء والعتاب والفخر في قصيدة أم أن هذا الأمر خاص في المتنبي؟